اختصت العربية دُون غيرها عن سائر اللغات الأخرى بتركيبٍ جينّىٍ متميّز على مستوى البناء اللغويوالدلالي ، وعُرفت ببلاغتها وفصاحتها منذ نشأتها .
ونزل بها وحى الله تبارك وتعالى على نبيه محمد “صلى الله عليه وسلم “باللغة العربية ،ليحمل القرآن الكريم كلّ مستويات الإعجاز اللغويوالبلاغي ،فيزيدها بقوةٍ أسلوبية من الصعب أن تُحاط بها أى لغةٍ أخرى من لغات العالم .
وفى هذه الوقفة التى نسعى من خلالها إلى إشراك أولى الألباب معنا ،للعمل سويا على فحص ترجمات معانى القرآن الكريم إلى لغات العالم ،لما بها من اشكالياتٍ كبيرة ٍ،تؤثر على الملتقىفي فهم مُراد الخطاب القرآني ،وحقيقة لم تأت هذه الوقفة مِنى من قراءاتٍ متعددة ٍعن الترجمات فقط ،وإنما من التطبيق العمليفيإشرافي على مجموعة ٍ من رسائل الماجستير والدكتوراة ،وكذلك قُمنا بعمل مؤتمرٍ دولىّ عن “ترجمة معانى القرآن الكريم إلى لغات العالم “،والذى قدم اشكاليات كثيرة للترجمة ،ومشروعات متميزة لترجمة معانى القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية ،والتي لاقت دراسات مستفيضة دون غيرها من لغات العالم .
ومما كان لافتا للانتباه من جلّ الباحثين ،هو اقتفاء النُكتة البلاغية ،أو الخصيصة البلاغية من : الحذف ،والوصل ،التقديم والتأخير …. وهل استطاعت الترجمة من إدراك هذه النُكتة البلاغية التي تحمل صورا دلالية متنوعة في السياق القرآني .
وعن طريق استخدام المنهج المقارن بين الترجمة الإنجليزية ،والنص الأصلي للقرآن الكريم ،اتضح أن معظم الترجمات لم تسطع إدراك الخصائص البلاغية فى السياق القرآني ،ليس لعجز المُترجم ،ولكن لتميّز العربية بمفرداتٍ ، وخصائص بلاغية ،تفرّدت بها دون غيرها ،يقول ابن جنى فى باب “شجاعة العربية ” عن ظاهرة الالتفات ،أو العدول فى الخطاب من ضميرٍ إلى آخرٍ، أو من صيغةٍ إلى أخرى :” لابد لكلّ موضعٍ من مواضع الالتفات نُكتة وفائدة تخصه ” (1 ) .والالتفات : ظاهرة أسلوبية بلاغية كبيرة ،وردت فى الخطاب القرآني بصورة واسعة .
وقد توقفت عند ترجمة : المترجم البريطاني الأصل :محمد بيكتال ،أهم من ترجم معانى القرآن الكريم إلى الإنجليزية ،وحقيقة جاءت ترجمته جيدة ،حاول فيها من خلال دراسته فى الأزهر ـوإلمامه بعلوم اللغة العربية بقدر الإمكان ،أن يراعى النكتة البلاغية ،لكنه قد وقع فى الكثير من الإشكاليات ،ليس لجهلٍ منه ،أو تعمدٍ ،ولكن لاختلاف العربية عن الإنجليزية .
ولأسرار الإعجاز في اللغة العربية ،التي نزل بها القرآن الكريم .
ولأننا في هذه المقالة المختصرة لا نستطيع أن نُلم بكلّ جوانب هذا الأمر ،فسوف اعتبرها مقدمة لسلسة مقالات ــ ان شاء الله ــ عن اشكاليات ترجمة معانى القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية كأنموذجٍ هامٍ ،لايحمل في طياته فقط اقتفاء النُكتة البلاغية فى القرآن الكريم ،وهل استطاعت الترجمة من أن تدركها ؟
ليس هذا فقط ؛وإنما أطرح على المعنيين في هذا السياق الهام من الالتفات إلى هذا الموضوع ،فربما نجد من بين القرّاء من يُقدم للعالم مشروعا عظيما فى هذا المجال ،أو ترجمة تجديده لمعانى القرآن الكريم ،متميزة ،تحمل السمات ،أو بعض السمات البلاغية فى الخطاب القرآني .
مراجع
( 1 ) ابن جنى .الخصائص . تحقيق :عبد المجيد هنداوى .ط: الأولى 1412هـ 2001م .ج 2 . ص: 179