الحياة فرصة والفرص نعمة متجددة من عند الله ونعم الله لا تحصى ، والفرصٌ متنوعة الأشكال، وحاضرة في كل مكان وزمان ، بعضها يغير مسار حياة، وبعضها لا يتكرر ، وقال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – انتهزوا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب. وقال خالد ابن معدان : إذا فتح لأحدكم باب خيرٍ فليسرع إليه فإنه لا يدري متى يغلق عنه .
وقد تكون الفرصة طاعة أو عمل خيرٍ لبناء وطنٍ وتنمية المجتمع ، وقد تكون تجارة ونعم المال الصالح في يد الرجل الصالح. والفرصة في حياة الأمم ممتدةٌ مدى الحياة وقائمة حتى آخر لحظةٍ في العمر. ففي الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها .
وقد أخبرنا القرآن الكريم بأن الذي لا ينتهز الحياة ولا يغتنم أوقات النفحات حتماً ستصيبه الحسرات ولن ينفعه الندم ، قال الله تبارك وتعالى : ” أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ” ولقد حثنا القرآن الكريم على اغتنام الأوقات بالطاعات والقربات في أكثر من موضعٍ في القرآن الكريم ، فقال سبحانه ” فاستبقوا الخيرات ” وقال : ” سابقوا إلى مغفرةٍ من ربكم” وقال : ” وسارعوا الى مغفرةٍ من ربكم”
فهذه دعوةٌ لاستثمار الفرص المواتية لفعل الخير وللتقرب إلى الله تبارك وتعالى، وإن فعلت فيكون ذلك كفيل بأن تدرك حاجتك وتحقق هدفك.
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مثالاً يحتذى به في يقظته الدائمة وبصيرته المستمرة في اغتنام الأوقات والقربات ، كان صلى الله عليه وسلم يعلم ويربي ويوجه ، وكان دائماً يحث أمته على استغلال الفرص المواتية وعدم ضياعها قبل فوات الأوان ، فقال : ” اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك،وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، اغتنم قبل أن تداهمك الشواغل وتشغلك حوائج الحياة .
أمامك في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم فرصة كبيرة لا تضيعها في غير طاعة الله تبارك وتعالى، قال حاتم الأصم رحمه الله : أربعٌ لا يعرف قدرها إلا أربع ، لا يعرف قدر الشباب إلا الشيوخ. ولا يعرف قدر العافية إلا أهل البلاء، ولا يعرف قدر الصحة إلا المرضى، ولا يعرف قدر الحياة إلا الموتى . والمسلم العاقل يحرص أن يكون ذا همة عالية في استثمار الفرص الإيمانية وغيرها من فرص الحياة المشروعة ويكون صاحب مبادرات ايجابية في مجتمعه ، وإن لم يجد يمكنه أن يصنع لنفسه فرصاً ثمينة وأعمالاً هادفةً تعود عليه وعلى أهله ومجتمعه بالخير والأجر العظيم في الدنيا والآخرة ، أما إذا انعدمت المبادرات الذاتية، وانشغل المسلم وترك الأمور تأتي كما الهوى يريدها أو حسب نفسه أو مزاجه ، فإنه لا شك يفوت فرصاً ثمينة، ومكاسب عظيمة ، فمن ضعفت همته ووجد أن قيمته في الحياة رخيصة، فوت كثيراً من الفرص العظيمة التي كان يجب عليه أن لا يضيعها.
وأخيراً أختم بما قاله محمود سامي البارودي:
بَادِر الْفُرْصَةَ وَاحْذَرْ فَوْتَهَا ، فَبُلُوغُ الْعِزِّ في نَيْلِ الْفُرَصْ ، وَاغْتَنِمْ عُمْرَكَ إِبَّانَ الصِّبَا ، فَهْوَ إِنْ زَادَ مَعَ الشَّيْبِ نَقَصْ ، إِنَّمَا الدُّنْيَا خَيَالٌ عَارِضٌ ، قَلَّمَا يَبْقَى وَأَخْبَارٌ تُقَصْ ، تَارَةً تَدْجُو وَطَوْراً تَنْجَلِي ، عَادَةُ الظِّلِّ سَجَا ثُمَّ قَلَصْ ، فَابْتَدِرْ مَسْعَاكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ ، بَادَرَ الصَّيْدَ مَعَ الْفَجْرِ قَنَصْ.