أداء الواجب لا يتطلب “شكرًا” عليه؛ لأنه واجب في ذاته، واجب في أدائه. ولكنّ الأفراد الناجحون لا يَمَلُّون ولا يكلّون عن أداء واجباتهم، وإدراك ما فات، ومواصلة ما هو آتٍ، في حياةٍ إكليلُها النجاح، تؤتي أكلَها كلّ حين بإذنِ ربّها.
ومقياس النجاحات لا يترتب على النتائج فحسب. فعندما طار عباس بن فرناس بن ورداس القرطبيّ بجناحين من حرير، وسقط أرضًا، ليرتفع العالم في سماء الطيران بعد ألف سنة من محاولته، فجاءت نتيجة نجاحه: ذهابُه عن الدنيا، وبقاءُ ذِكْره إلى آخر الدنيا.
وأما تحقيق النجاحات زمنَ الزوبعات، والمبهمات، ومطاحنات الأمم؛ فهي صناعةٌ في سلّم التعب والنَّصَب، وأكبرُ حجمًا وأثقلُ في ميزان الاستحقاق، فيتوجب التسلّح بعزيمةٍ عنيدة عند منازلة العقبات وتجاوز المحن، حتى لو كانت النتيجة متواضعة ولا تستحقّ الذّكر في أولها، فقد تكون المثال الأسنى، كخيوط شمس لا تغيب، وإن هي غابت فعلى موعد مع إشراقة جديدة.
وكلّما شحّ المال، وضاق الوقت، وانعدمت الراحة، وتراخى الدعم المعنويّ وكلَّت الوسائل عن الوصول، فالوصول إلى مراتب النجاح يكون أجمل وأكمل وأبهى، مما يتأكد في صناعة النجاح ضبط الموازين وعدم إضاعة الفرص المتاحة.
وأما من يُغلّف أعماله إعلاميًّا على أنها نجاح، فذلك إخفاق في إخفاق. فلا يُعدّ نجاحًا:
سرقة جهود الضعفاء، واستغلال الأفراد واستقطابهم لحساب بلد المنشأ على حساب وطن الموادّ الأولية. ولا بناء الحضارات على أكتاف المضطهدين، فذلك يعتبر شيئا آخر يسمّى بأسماءَ متعددة، إلا اسم: النجاح.
وحتى لا يختلط الحابلُ بالنابل، فإننا نتعلّم من القرآن الكريم صناعةَ النجاح الحقيقيّ، ففي سورة يوسف قصة النبيّ الذي بدأ مشواره في: (غَيَابَتِ الْجُبِّ)، فيحقق النجاح في غياهب السّجن، ويخرج منه بمنصبٍ عالٍ: (اجعلْني عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ). فكانَ ناجحا في صبره ومصابرته وإتقانه لفنون المواجهة، وصرف خبراته في وقتٍ احتاجته البشرية فنجح في إنقاذها وإسعادها.
فالنجاح الحقيقي يكمن في إسعاد الذين لا يعرفوننا، وأما الذين يعرفوننا فتحقيق سعادتهم متداخل في إسعاد ذواتنا. ولْنَمضِ قدمًا في مشاريع النجاح، ولنكن على موعد مع الإنجاز، في كلّ ثغرة نحتاج سدّ الفجوة فيها:
فرعاية حقّ القريب، واستقبال الغريب، وإجارة المظلوم، وحماية المستضعف، وتعزيز المتفائل، ودفع المتشائم إلى الإقدام، وإشاعة المعروف بين الناس، وإبراز الكرم والمكارم، ودفع الأذكياء النابهين لخدمة الإنسانية في الصناعة الفكرية والتقنية، ناهيك عن بناء الأجيال، وغرس المفاهيم الصحيحة فيهم، ومنع تسـرب العفن من الأفكار إليهم، ومنع الدَّخَن من الفتن عليهم.
ثمّ، إنّ في إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، ورعاية النفس وصيانتها والمبادئ وحمايتها، كلّ ذلك من النجاحات التي يفوح إكليلها بعطر فواح، ويتقبله الناس بالرضا والارتياح.
وصعوبة النجاح ليس في بدايته ولا في تحقيقه، فالقديوية والنماذج الناجحة تسيطر على قيادة دواخلنا، وتحوّل القوى الكامنة فينا إلى عملٍ يسطّر بقلم النجاح، ولكنّ الصعوبة تكمن في تميّزنا، وبالتزامنا بالصدق والمصداقية في نفع الناس، فإن لم نقدر: “كفّ أذاك عنهم فتلك صدقة منك عليهم” فهذا نجاحُ أقلِّ الإيمان، وواجب حتميّ بين بني الإنسان.