بقلم: أ. أنفال الهولان
كأي أم تترقب فرحة النتائج بعد جهد التدريس والاختبارات ، لاسيما إذا كان الولد البكر الذي تضع الأم كل آمالها وأحلامها على أن تراه متفوقا ناجحاً في حياته ، لكن هناك شيءٌ مختلف فمنذ وقتٍ مبكر أدركت أن الصواب هو أن أجعل ابني يذوق لذة النجاح حين يجرب الاستقلال بنفسه ، بدراسته، فأردت ذلك بقلب متردد ، فتارة أقوى قلبي وأتركه ليلة الاختبار من دون أن ألهث وراء إدخال المعلومات في عقله الصغير اللاهي الذي لا يلتفت للدراسة ، بينما أراني تارة أخرى أجاهد معه مرغِّبةً مرهّبةً علّي أجدُ بصيص أملٍ من فتى بعمر الطفولة يشرد بذهنه في كومة المعلومات ليسألني فجأة هل هناك من اخترع آلة الزمن من قبل !!فتتهاوى أمامي كلُّ أحلام التفوّق الدراسي لأجد أنني كنت أضيع الوقت وأشرح الدروس لنفسي بينما هو بعيد بأفكاره وخيالاته . وتسير السنوات الأولى بين تفوقٍ نصفه هو نتيجتي أنا والبقية هي محضُ تخمينٍ منه للإجابات وإشادة من معلماته بالأدب والأخلاق والخجل حتى من المشاركة ، و حاولت جاهدة أن أرسخ في تلك السنين أشياء أظنّ أنها أهم، إذ أنني أؤمن أن عقل الطفل كلما أطلق له العنان أبدع ، وأنه من حقّه اللّعب والإحساس بالحرية فكنت أرضى بمستوى الجيد جداً بل وأحتفل به حتى جاءت لي شهادة منتصف العام في الصف الخامس الابتدائي، وكانت ناتجة عن أول اختبارات حقيقة تقيس التحصيل العلمي وكنت قد سبقت النتيجة بالتوقعات والقلق والابتهالات ، فنظرت إلى الهاتف بنصف عين لأرى صورة الشهادة الدراسية في غرفة تجمع المعلمات وألجم لساني حين كانت اللاّمفاجأة ، رسوب في مادتين ..
ووجدت نفسي بين الحقيقة والخيال فصدقت دموعي الخبر فانهمرت على خجلٍ وأحسست بغصة الأم لكنّها غصةٌ مختلفةٌ فأنا لست حزينةً على فوات التفوق لكنني أحمل همّ نقل الخبر إليه ، وأحمل همّ الإحباط الذي سيصيبه وهو في سنٍ صغير وكل من حوله متفوق ، ففوجئت بمن حولي: قلوبٌ تتهافت للتخفيف عنّي وأيادٍ تربت عليّ وكل يدلي بدلوه وأنا بين الصديقات والحبيبات ، فتدريجياً خف الضغط النفسي عن كاهلي ، وتلاشت الدموع وسط الابتسامات وابتدأت ترتسم أمامي خطوات النجاح القادم ، فنفضت ذلك الخوف سريعاً وحاولت الوقوف من جديد لأفكر بالطريقة الصحيحة للتعامل مع الفشل الصغير ، فتأملت كيف أنني استطعت النهوض من جديد والتفكير بالحلول بعد أن حصلت على الدعم والتشجيع بل والحب ، اتضحت الرؤية نعم هذا ما يحتاجه ابني في هذا الوقت العصيب لينهض من جديد ليتغلب على العقبة ، فحاجته للحب والدعم هي الأهم ، عدت للمنزل أقوى وعلى غير العادة بقيت صامتة وأنا أريه الدرجات فبدا شاحب الوجه وقلبه يخفق بشدة واكتفى بالنظر إليّ على وجل .
فبادرته بالأحضان ثم أخبرته بحبّي له رغم كل ما يحصل فتوسعت عيناه وأكملت إلى درجات المواد الأخرى ، يالك من رائع حصلت على جيد جدا في مادة القرآن وكذلك في مادة الفقه رغم أنك تدعي صعوبتها والأجمل تفوقك في الحاسوب فصرخ بأعلى صوته نعم نعم أخبرتك أنني متفوق فيها ، فانقلب الحزن فرحاً والإحباط فخراً والأعظم هو أنه رأى درجات أخته الأصغر وهي المتفوقة وفرح لها كثيراً على غير العادة ثم طأطأ رأسه قائلاً لكني لا أستحق الهدية ، أرجوك أريدها بما جمعته من أموال لا مكافأة منكم فأعلم أنني لا أستحق !
فابتسمت مجبرة، قد أشتريه لك إن كان مفيداً ولم لا ؟
فعلت وجهه ابتسامة طفولية بريئة وكبيرة ونزل يلعب مع إخوته مؤملاً في النجاح ومحبّا لإخوته فجأة رغم الصراعات اليومية التي تؤرقني، ومخططاً للتدريب أثناء العطلة لرفع مستواه .ولمّا رأى أفراد العائلة في المساء يسألون عن النسبة ابتسم قائلا ً سأجتهد بإذن الله لأرفع مستواي، فهذه السنة كانت صعبة قليلاً ، وما كان مني آنذاك سوى تأييده وقمت بشرح أنواع الذكاءات لمن معه فتشجع، .إنها نعمة الله علينا لن نوفيها شكرها.
وأحسست بالبداية الجديدة وحمدت الله على الوعي وعلى النعم وعلى الصديقات وعلى القلوب التي يرزقنا الله إياها تدعمنا وتلهمنا ، فإليكن هاهنا أزف البشرى بأن ابني بإذن الله سيتغلب على العقبات حين نبدأ نحن بالتغلب على عقبات أنفسنا ، البداية هنا حين أدعم وأشجع ابني ليتخطى الفشل رغم تقصيره لينهض من جديد ، حين أتفهم حاجاته وأتغاضى عن زلاته لأكون أمّاً داعمةً محبة ومتغلبة على طمع النفس وعجلتها لنيل الأعلى، فالحب أولاً وقبل كل شيء، دمتم بحب.