…اصنع ذاتك
ارتفع صوت أذان المغرب مع غروب الشمس تاركة وراءها اللون القرمزي ليعلن نهاية يوم من حياتنا غادرنا دون أن نعلم هو لنا أم علينا ،اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين …
بعد أن صليت المغرب جلست بالحديقة حيث أن البحر يسكنه الظلام ، أستمتع بسكون الكون بعد الغروب وإذا بصوت شاب يرتفع إلي السماء ويبتهل إلي الخالق ويلح بالدعاء أكاد أن أفهم بعض كلماته ، الشاب من كثرت تألمه وإلحاحه بالدعاء لم يكترث بأن صوته قد علا وأن من حوله قد يسمع كلماته .
هنا تذكرت دعاء ذا النون وهو في بطن الحوت فقد قال صلى الله عليه وسلم: (دعوةُ ذي النُّونِ إذ هوَ في بَطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّهُ لم يدعُ بِها مسلمٌ ربَّهُ في شيءٍ قطُّ إلَّا استَجابَ لَهُ)
خرجت أمشي باحثة عن مصدر الصوت والسكون يزيد من وضوح الكلمات وتتبعت الأنين واذا بشاب يسجد على الأرض متجهاً نحو القبلة ومنهمر بدموعه ، جلست بحذر تاركة مسافة بيني وبينه لا تزيد عن خمسة أمتار وفتحت المصحف اقرأ أواخر سورة الحشر وإذا بالشاب يجلس أمامي ويسألني من أنت ؟
قلت : ما حاجتك ؟
قال : أنت إنس أم جن ؟
رددت عليه : قل حاجتك فالحديث راحة للنفس وطهارة للعقل.
فقال : ظلموني بلا ذنب ، وجاروا على بلا رحمه .
وأنا أشاهد دموعه الهسيتيرية كأنها من قدر يغلي بداخله من شدة ما يعاني .
سكت برهه وأكمل:
وبت أشكو إلي مولاي ما أجد
ومن عليه لكشف الضر أعتمد
مالي على حملها صبر ولا جلد
يا خير من مدت إليه يد
فبحر جودك يروي كل من يرد
طرقت باب الرجا والناس قد رقدوا
وقلت يا أملي في كل نائبة
أشكو اليك أموراً أنت تعرفها
وقد مددت يدي بالذل واقفةً
فلا تردني يا رب خائبا
من ظلم لا بد أن يظلم ولكل ظالم نهاية. ودار الظالم ظلام ولو بعد حين. ظلم اليتامي مفتاح الفقر. وظلم الأقارب أشد وقعاً من السيوف.
هنا أدركت أن القضية هي خلاف أسري سكت ولم أحاول أن أسأله لأن المسائل الشخصية والأسرية حساسة
وأخذت المصحف من بين يدي ووضعته بيده .
فجأة أخذ يقبله ويقول ونعم بالله … على الفور أدركت أن النفس التي أمامي مؤمنه ناضجة واعية .
فقلت لك ما تشاء إما أن تسرد قصتك فالحديث متنفس الروح أو ليذهب كل منا بطريقه .
فقال : سأحكي لك
نحن أخوين توفي أبي، وأمي مريضة قام عمي بأخذ جميع ما نملك وطردنا من البيت واتجهت أمي لبيت أهلها واحتضنتا جدتنا وكنا سعداء وبعد شهر تعبت أمي فذهبت لعمي وكنت معها لتأخذ منه شيئاً من المال لعلاجها .
لا .. لا .. لا أنسى الموقف يا ليتنا لم نذهب ، أخذ يستهزئ بها وسحبها من حجابها ورماها خلف الباب وصفعني وقال إن جئتم مرة أخرى سأقتلكم .
احتضنت أمي المسكينة وإذا بدمعة من عينها تنزل لتعلن نهاية الحياة .
فقالت : إن لكم بذمت عمك مبلغاً كبيراً فهو لا يملك شيء والبيت هو بيت والدك . ولفظت أنفاسها وتوفيت بحضني . لم أرى شيئاً، اسودت الدنيا أمامي صرخت صرخة مدوية يسمعها أهل الحي كله فتح الباب عمي وقال الحمد لله انتهيت منكم .
ماذا أفعل وأمي بحضني ولا حول لي ولا قوة .
جاء جار لنا يعرف والدي وقد عمل معه ، وقام بالواجب وساعدني وتم دفن الوالدة وبعدها بيومين توفيت جدتي .
والأن أنا وأخي وحيدان ماذا أفعل ؟ وكيف أتصرف ؟ ما الحيلة ؟ تذكرت مقولة لفدوى طوقان تقول : ولقد نبسم أحياناً ، لكي نخدع الحزن فلا نبكي .
فقلت : هو الرحمن الرحيم الخالق المتبصر بعبادة أتحزن من ظلم البشر ، إنها الحياة و الدموع دماء الروح. الدموع هي آلية دفاعية فطرية يستثمرها القلب البشري لاستجلاب التعافي. إن الدموع هي مطافئ الحزن الكبير.
اعلم أن هناك لحظة سيجبر الله فيها خاطرك ، لحظة يفز لها قلبك تشفي كل كسوره ويعوضك الله عما كان فأطمئن لأن عوض ربك اذا حل أنساك ما كنت فقدت .
كفاك بدار الموت دار فناء
ترى عاشق الدنيا بجهد بلاء
وراحتها ممزوجة بعناء
لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
فلا تعشق الدنيا أخي فإنما
حلاوتها ممزوجة بمرارة
دعني أحدثك باعتباري أكبر سناً منك ولي تجارب مع الحياة، الشخصية نتيجة تفاعل نفسية الإنسان الداخلية مع ظروفه الاجتماعية المحيطة به فتأثر النفس بالواقع الاجتماعي لا محالة، إن الإنسان مندفع في كل تحركاته وقراراته، فيكون في بعض الأحيان واعياً بما يدفعه، وفي أخرى لا يكون كذلك. الدموع ليست هي الحزن.
بكى أحد الحكماء على قبر ولده فقيل له: كيف تبكي وأنت تعرف أن الحزن لا يفيد.. فنظر إلى سائله طويلاً ثم قال متحسراً : إن هذا هو ما يبكيني.. وهكذا نحن أيضاً.. نبكي في أحيان كثيرة ونحن نعرف أن الحزن لا يفيد.. لكننا مع ذلك نجد راحتنا في الدموع ونلتمس فيها السلوى والعزاء..
حين تثقل عليك همومك تبكي لتخفف من توترك النفسي فالإنسان في تعاسته يفرز جسمه مواد كيماوية ضارة تساعده الدموع على التخلص منها وتزيد من ضربات القلب فتعتبر تمريناً مفيداً للحجاب الحاجر وعضلات الصدر والكتفين.. وعند الانتهاء من نوبة البكاء تعود ضربات القلب إلى سرعتها الطبيعية وتسترخي العضلات ويتسلل إلى الإنسان شعور غريب بالراحة يساعده على أن ينظر للهموم التي أبكته نظرة أكثر وضوحاً وموضوعية.
والحقيقة أن الإنسان يعي دوافعه باستعمال عقله، حيث يحدد العقل تلك الدوافع عن طريق مجموعة من النشاطات والعمليات التي يقوم بها، إلا أن العقل ليست له القدرة الكاملة على تحديد كل الدوافع فتتحدد بعضها.
الظلم والجور كلمات كبيرة وثقلها لا تحمله الجبال واذا كنت تحت وطأتهم وأنت مظلوم فاعلم بأن لك رب لا يرضى بالظلم يقول ربنا سبحانه: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42
إنّ الأيام دول، فهي لا تدوم على حال، ولا تدوم لإنسان، ويجب أن يعلم الظالم بأنّ كل شرّ يفعله، وكلّ خير يمنعه سوف يُردّ عليه يوماً ما، فلو أدرك المُسيء طبيعة الحياة لما قدّم إلا خيراً ينفعه عندما تنقلب عليه الأيام ويتعرض لنوائب الدهر ومصائبه، فلا يبقى للإنسان إلا الخير الذي كان قد فعله في الرخاء والأثر الطيب الذي تركه وراءه. يمر بحياتنا البشر كالحروف البعض مؤهل للرفع … وناس تحترف النصب …. وفئة تستحق الحذف ، هنا فقط أنت بيدك الحكم .
ولكنك كنت تناجي الخالق وهذا ما يدل على إيمانك ولله الحمد أنعم عليك بالدعاء وفيما أخبرنا الرسول صلي الله عليه وسلم عن ربه أنه يقول: ” أنا عند ظن عبدي بي “
مهما حاولت النفس أن تقاوم، فهي تبقى ضعيفة، ما يجعلها في حاجة دائمة إلى استمداد القوة من الدين الذي يشجع على الوعي بدوافع النفس . إن الإنسان عاجز عن أن يفهم كل أسرار العقل وقال تعالي (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه أن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ))سورة الطلاق آية 2- 3
ولنا عبرة برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما تكالبت الأحزان وزادت عليه همومه وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب في عام واحد، خرج إلي الطائف واستمر أهل الطائف في إيذائه فجلس في ظل شجرة يلتمس الراحة والأمن، ثم دعا الله سبحانه وتعالى قائلاً: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربى ، إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك.
فجأة وقف الشاب أمامي ورفع يديه إلي السماء ويقول اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين.
دعني أسألك سؤال : أين تعمل ؟ فقال : رئيس قسم بوزارة
فقلت : هذه أول نعم الرحمن عليك لديك شهادة وعمل .
وأخيك أين هو ؟
فقال : مبتعث يدرس بالخارج ؟
فقلت : وهذه نعمة أخرى ، تذكر بأن النعمة الحقيقة في الصحة والجسد وما دمت تعمل ولديك وظيفة فداري على صحتك وتواصل مع جاركم صديق الوالد في شدة سيعينك واترك تصريف أمور عمك للخالق الواحد الأحد .وأعلم بأن كل الخسائر قابلة للتعويض إلا أن تخسر سنوات من عمرك باحثاً عن رضا الناس ، اجتهد في رضا خالقك وارضي طموحك وتوكل على الحي القيوم .
وتذكر قول أمير المؤمنين الخليفة الراشد الرابع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال فيها: “إن دعتك قدرتك على ظلم الناس، فلا تنسَ قدرة الله عليك” فعمك لا يهدأ له بال من الظلم وإن هدأ باله فأين يفر من عذاب الآخرة .
وتذكر ستمر عليك مرحلة تسمى مرحلة نقطة تحول ستتغير فيها كثيراً وستكون فيها دروس الحياة قاسية عليك ستكون بعدها أكثر نضجاً وفهماً للحياة مع أنها صعبة لكن ستكون شخص أفضل وأقوى وتذكر حالتك اليوم فلا تظلم أحد وكن عوناً للمظلومين .
واعلم بأن آليّة عمل العقل الباطِن للإنسان تُشبِه إلى حدٍ ما آليّة عمل برامج الكُمبيوتر فيجب أن يضبط المُبرمِج البرنامَج ضبطاً صحيحاً حتّى يَحصُل على النّتائج المَرجُوّة فإذا ارتكب المُبرمِج خطأً ما أثناء عمليّة البرمجة فسيحدُث خلل حينها، ويتمثّل ذلك بظهور رموز غريبة وكلمات غير مفهومة، أو سماع صوتٍ شاذٍّ عند تنفيذ البرنامج .المقياس الحقيقي للإنسان ليس هو الموقف الذي يتخذه في لحظات الراحة والدعه ولكن موقفه في أوقات التحدي والنزاع ( مارتن لوثر كينج)
الإنسان الذي يستطيع الاحتمال هو الذي يستطيع الانتصار و يقول ابن حزم الاندلسي أن نقطة الماء المستمرة تحفر عمق الصخرة .
الألم يمنحنا نوعاً من يقظة الضمير ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) البقرة 216
الحسد يولد البغضاء والبغضاء تولد الاختلاف والاختلاف يولد الفرقة والفرقة تولد الضعف والضعف يولد الذل والذل يولد زوال النعمة وهلاك النفس.
من الأفضل أن تحافظ على نفسك نظيفاً ولامعاً إنك أنت النافذة التي ترى من خلالها العالم بأسرة ( جورج برناردو شو )
فاقد الإدارة هو أشقى البشر ( أرسطو ) )
الغضب ريح قوية تطفي مصابيح العقل ( روبرت انجرس)
اجتماع السواعد يبني وطن واجتماع القلوب يخفف المحن ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم
الصبر شجرة جذورها مره وثمارها شهية ( مثل يوناني)
لا تنتظر الظروف المناسبة فأنت من يجب أن يصنع هذه الظروف ،الحياة بلا دين حياة بلا مبدأ وحياة بلا مبدأ كمركب بلا دفة ( غاندي ) إذا كانت رغباتك صغيرة ومحدودة فستكون كذلك واذا كان طموحك لا حدود له فستكون عظيماً .
ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة الشجاع في الحرب والكريم في الحاجة والحليم في الغضب ( لقمان الحكيم )
هنا أخذ بفرك يديه من شدة ألم يعانيه ( خلطة ممزوجة من حسرة وضياع وشتات فكري )وقال :
والله مرت على ليالي لم أذق طعم النوم ، أحس كأن صخرة على صدري ، يجول في فكرى عشرات الأسئلة التي لم أجد لها أي أجابه ثم أرمي بجسدي من شدة تعب التفكير .
سرقت منه الحديث بسرعة حتى لا يذكر المآسي وقلت أنت أذكى مما أتوقع أحياناً يرى البعض الذكاء مرتبط بشهادة ونقاط عالية بالدراسة ، من يحل مسائل رياضية وهكذا ، الذكاء الحقيقي هو اكتشاف قدراتك وامكاناتك ومواهبك وكيفية تطوير الذات وتنميتها في الحياة أحياناً تسأل شخص ما هي موهبتك؟ يقول لا أعلم .. ليس لدي موهبة للأسف هذه الفئة لا تفهم عطايا الرحمن لخلقه فهل سمعت بنظرية الذكاء المتعدد .
الإنسان لابد أن يكون لديه أحد الذكاءات السبعة وأحياناً أكثر من ذكاء كعلماء المسلمين يكون طبيب وموسيقي وفلكي. فابحث عن ذكائك…عندما تحزن اذهب بعيداً عن كل عين واعصر حزنك على عتبة الله وحده هو وحده سبحانه سيحول حزنك إلي ابتسامه من دون مقابل فكن لنفسك خير معين وخير صاحب واعلم أنك نور لن ينطفئ ما دمت متوكل على الله وواثق من نفسك .
وتذكر ثلاثة أشياء وصفها الله بالجمال : صبر جميل … وهجر جميل …وصفح جميل “فاصبر بلا شكوى واهجر بلا أذى واصفح بلا عتاب”
وأربعة أمور لا تتركها بحياتك :
لا تترك الشكر فتحرم الزيادة
ولا تترك ذكر الله فتحرم ذكر الله لك (( فاذكروني أذكركم )) سورة البقرة آية 152 – ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» :صحيح البخاري
ولا تترك الدعاء فتحرم الاستجابة (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ))سورة غافر آية 60الدعاء حوار تعبدي نابع من ذات الإنسان وداخله، ذلك أن مبررات الدعاء ودوافعه ناتجة مما يلي:
– حالة الخوف من المجهول.
– حالة الشدة والكرب.
– حالة الطمع في الثواب والرزق.
– حالة الضعف الإنساني.
ولا تترك الاستغفار فتحرم النجاة (( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )) سورة الأنفال آية 33حين يشتد الوجع، ويتصاعد الألم، ليس هناك علاج فوري وفاعل مثل وصفة الاستغفار والصبر والصلاة لتهدأ النفس وتعود إلى طبيعتها. الانتصار على النفس هو أعظم انتصار. جرب ألا تشمت ولا تكره ولا تحقد ولا تحسد ولا تيأس ولا تتشاءم.. وسوف تلمس بنفسك النتيجة المذهلة ..
وفي جميع هذه الحالات يشعر الإنسان بالحاجة إلى مراجعة نفسه، فيعمل على الدخـول معها في حوار يمـكن أن نطلق عليه حوار الذات، بحيث تكون الخلجات الداخلية والأحاسيس الذاتية دافعاً أساسياً لتكوين ذلك الحوار الذي ينتهي بالنتيجة إلى طلب العون والمساعدة والنجدة من قوة خارقة فوق قوة البشر تعينه على مساعدته وخروجه من المأزق الذي يقع فيه.
السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان ولا يستورد من خارجه، وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله والدار الآخرة هو ماؤها.. وغذاؤها.. وهواؤها.. وضياؤها. إن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب، بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين. ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها وأن يرسم السياسات قصيرة المدى وطويلة المدى ليتخلص من الهنات التي تزري به. فمٌقتضى الإيمان أن يعرف المرء لنفسه حدودًا يقف عندها.. ومعالم ينتهي إليها.
غير طريقة تحليلك للحدث ستتغير مشاعرك وانفعالاتك عن نفس الحدث.
أعلل النفس بالآمال أرقبها … ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
وتذكر قول الرحمن (( أليس الله بكاف عبده )) سورة الزمر آية 36
قلها بصوت مرتفع فمن جعل اعتماده على الله فسيكفيه ما أهمه ولو كان كجبل أحد رددها عند البلايا بقلب مخبت للكافي سبحانه فستنقلب بإذنه برداً وسلماً على قلبك.
مسح دموعه وقال الآن ارتحت والحمد لله على كل حال وشكراً لك للحوار الذي أثلج صدري فقلت له : لا تشكرني بل اشكر ذاتك المؤمنة التي تدرك أن بيد الله تصريف الأمور كلها وليس بيد الانسان شيء.
وفي هذا يقول الشاعر:
لا تسـألن بني آدم حـاجة وسـل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
الثقة بالنفس هي روح البطولة هى إيمان الفرد بقيمته … الثقة بالنفس شأن داخلي خالص لدى امرئ يعرف قدر ذاته، أرقى مواساة هي مواساة النفس للنفس وأصدق عتاب هو عتاب النفس للنفس وأجمل فرحة هي فرحة النفس للنفس تصالح مع نفسك فهي من ستظل معك للأبد . .لذا امض كأنك لم تسمع ، واصمت كأنك لم تفهم ، تجاهل كأنك لم نرى ، وانس كأنك لم تذكر ، فبذلك ستنال حياة هادئة جميلة وتعيش مرتاحاً .
هنا أتذكر قول الإمام على بن ابي طالب كرم الله وجهه:
صبور على ريب الزمان صعيب
فيشمت عاد أو يساء حبيب
فإن تسألني كيف أنت فإنني
حريص على أن لا يرى بي كآبة