رحل أفلاطون قبل أن يرى حلمه الأكبر ، رحل دون أن يترجل في المدينه الفاضله ، تلك المدينه التي شرع في تصميمها بعد النهايه المأساوية لمعلمه سقراط ، الذي تجرع السم بإرادته رافضاً الهروب وهو يدافع عن القيم العليا وعلى رأسها الحريه التي هي أغلى ما وهبه الله للخلق ، الله الذي سمح بعزته أن يهب الحرية للإنسان حتى وإن عبد غيره أو أنكر وجوده من الأساس ومع ذلك يرزقه ويوفق المجتهد بعدله ، عودة إلى أفلاطون الذي ولد قبل ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام بأربعة قرون ويزيد ، كان يؤمن بالتنوع ويؤمن أن قدرات الخلق مختلفه بطبيعة كونيه حتى تستمر الحياه وتزدهر ، كان يؤمن أن هناك قلة قادرة على رسم السياسات وطرح الأفكار الخلاقه والتخطيط بطلاقة لصالح الأنشطة الإنسانيه التي تدفع الحياه إلى أبهى صورها وأطلق عليهم لقب الأحرار ، وهناك أكثريه تكمن قدراتها فقط في تنفيذ وتطبيق تلك الأفكار ، وأطلق عليهم لقب العبيد ، وربما كانت تلك المسميات أحد أهم المعوقات التي وقفت أمام أحلامه لما تحمله من عنصريه ، رغم أنه لم يقصد هذا على الإطلاق ، فلقد كان يفكر في تقسيم العمل ليصل إلى قمة الأداء الأمثل و الاكتفاء الذاتي دون إستهداف الربح ، بمعنى أن الفلاح يزرع ويطعم العامل الذي يبني له البيت والخشاب الذي يضع له السقف والأبواب، والطبيب الذي يداويه وهكذا، الكل لا يتقاضى أموال ويخدم بعضه بعضاً ،بمهارة المتخصص وإتقان المجتهد ، وكان ذلك سبباً آخر في إعاقته ، حيث أن الذهب والفضة لهما سحر قديم ، وعشق حتى قيام الساعه ، ولكن من يختار الأحرار،؟ يختارهم العبيد من بينهم ، ممن يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون ويترجل كما يترجلون مبصراً بأوجاعهم وآلامهم وأحلامهم فمن تخرج منه أفكار جيده وأطروحات لامعه بغض النظر عن فقره ، أو تدني منزلته ينتقل من جوقة العبيد إلى واحة الأحرار بإرادة الأحرار، كان يعلم أن الذكاء هو رزق الفقراء وأن الاحتياج هو رحم الإبداع ، وأن الأوجاع هي مزرعة الابتكار ، وأن الرفاهية شغلت الأغنياء عن طرح الأفكار وأعتقد شخصياً بأن تلك الفكرة العبقريه هي التي دفعت بمصممي الدساتير أن يخترعوا السلطه التشريعية ، حيث اختيار العبيد لمجموعة منهم تفكر لهم وترسم السياسات وتصبح من الأحرار ويتفرغوا فقط للأفكار بغرض تحرير كافة العبيد من قيود الفقر والجهل والمرض ، وكلما كان مناخ الإجراءات يمكن الفقراء من مباشرة الحق في اختيار عبد منهم لينتقل إلى جمع الأحرار، أظهر ذلك إرادة حقيقيه في تحرير العبيد ، وكلما تمكن الناس من الاختيار الصحيح كلما اقتربوا من الازدهار ، وأتوقف هنا عند أسطورة ، عن رجل ثري اجتمع بكافة عبيد مدينته وأقام مسابقة الفائز فيها سيصبح حراً ويأخذ أموالاً يبدأ بها حياته ، وحين قال الحضور للعبد الفائز ماذا ستصنع بتلك الأموال،؟ قال ( سأشتري سيداً يحسن معاملتي ) ولو تركنا الأساطير فهناك واقعة حقيقية، مناضلة أمريكية سوداء أخذت علي عاتقها تحرير العبيد وكانت تساعدهم علي الهروب وتوفير فرص عمل لهم من مالها الخاص ودخلت في مواجهات كثيره مع الحكومه الأمريكيه وتم القبض عليها وعندما تم سؤالها عن أصعب شئ واجهته في ما كانت تفعله قالت (إقناع العبيد أنهم أحرار)
فهناك الكثير من الفقراء للأسف تعود العبودية وعشقها ولا يتصور حياته بدونها و لا يتردد. لحظة في مناصرة الأثرياء لمجرد أنهم أثرياء دون النظر لما سوف يقدموه أو يطرحوه ، مستنكفاً أن يرتقى فقيراً مثله لمستوى أعلى حتى وإن كان هذا الارتقاء يعود عليهما بالنفع . الآفة في الأفكار يا ساده ، ولهذا كانت مهمة الأنبياء منتهى الصعوبه إذ أنهم لم يبعثوا إلا لتغيير الأفكار المحركه للأفعال .
عودة أخيره إلى افلاطون الذي بمجرد رحيله أقيم له ضريحاً وأصبح مزاراً باعتباره هدية مقدسه من السماء إلى أهل أثينا، رحل أفلاطون قبل أن يرى المدينه الفاضله ،، رحل قبل
أن يرى جمهورية الصين الشعبية التي يعمل عبيدها في صمت وجهد ، تنفيذاً لخطط موضوعه فتحرروا وتسيدوا العالم .