تعد ظاهرة ( أطفال الشوارع ) من الظواهر المتفشية في الدول النامية وبخاصة في المجتمعات التي خاضت حروباً بسبب ضعفها وانتشار الفساد المالي والإداري فيها ، فخلفت المئات من المشردين الباحثين من خلال أطفالهم عن لقمة العيش ، فتراهم يزجون بهم في شوارع المدن بشكل عشوائي ، مبتذل فإما أن يحملوا معهم قطعاً من الحلويات يسعون لبيعها أو يمتهنون مهناً أخرى كالقيام بغسل نوافذ المركبات دون رضاً من صاحب المركبة هكذا عنوة لغرض استعطافه لإعطائهم بعض المال لقاء ذلك بالقرب من إشارات المرور في أثناء ظهور اللون الأحمر الدال على توقف المركبات ، وهنا تبدأ عملية التمرد ضد الإنتماء الوطني الذي يعد ركيزة من ركائز القيم الإنسانية عند الإنسان السوي ، والانتماء وجودي يحس به الإنسان بالتحامه مع وطنه الذي يقدم له الكثير ، ومن ثم يسلك فيه كل السلوكيات الإيجابية لرفعه والتقدم به ، لا الوطن الذي يحطمه ويضيف تحطيماً آخر له . والإنسان منذ ولادته تولد معه فطرة الإنتماء ، والأسرة تعد الوعاء الأول الذي تستقى منه فكرة الانتماء ، ويمثل الإنتماء في حد ذاته غريزة من الغرائز الإنسانية يعمل الإنسان على إشباعها . ومن العوامل التي تؤدي إلى خفض نسبة الإنتماء الوطني تعميق ظاهرة أطفال الشوارع ، لأنها تنمي لديهم فكرة الإغتراب ، والشعور بالعدمية والإحباط والوصول إلى حالة إراقة ماء الوجه ، لذا تقتل فيهم روح الطفولة ويكونون عبئاً ثقيلاً على أوطانهم المفترض بأنها وطنهم .
د.مازن الخيرو-استاذ البلاغة والنقد الأدبي-جامعة الموصل