أسباب طوفان الأقصى

on 26 October 2023, 08:00 AM
طوفان الاقصي
بقلم د. محمد عبد العزيز
مدير عام مركز لندن للبحوث

في خضم الأحداث الدامية التي تصيب جسد الأمة في الأسابيع الأخيرة ويتمزق لها نياط القلب من قتل ممنهج للفلسطينيين العزل على أيدي الصهاينة المحتلين في إجرام فاق كل التوقعات وتجاوز القوانين الدولية والأعراف والشرائع السماوية ، سبعة ألاف شهيد حتى كتابة هذه السطور في 20 يوماً منذ اندلاع طوفان الأقصى 7 أكتوبر الجاري منهم ثلاثة الاف من الأطفال و1700 من النساء و 400 من المسنين ، في خضم ذلك نجد من بني جلدتنا من يغمض عينيه عن تلك المجازر ويقضي وقته لانتقاد المقاومة في غزة – أبطال حماس – الذين صنعوا الفارق وأعادوا للأمة جزء من كرامتها التي أهدرها صمت العرب عن إهانة مقدساتنا وسرقة أرضنا العربية في فلسطين لسبعة عقود وحصار أكثر من 2.5 مليون مسلم عربي في غزة ستة عشر عاماً . وأُحيل هؤلاء الفلاسفة الذين ما يفتئون ينتقدون ويلومون الضحية ويتركون جلادها فيملئون صفحات التواصل انتقادًا وسبًأ لحماس واتهامها بأنها السبب في قتل الألاف من الأطفال والنساء بإقدامها على التحرش بالأسد الجسور – جيش الاحتلال – ، أحيلهم إلى ما كتبه الدكتور محمد الأسطل من فلسطين لعلهم يقرئون ويفهمون قبل التجني ، وقال د. الأسطل : من تحت القصف أكتب لكم ” لست ممن يعتني بالردِّ على أيِّ لغطٍ يُثار في أيِّ قضيةٍ على وسائل التواصل؛ إجلالًا للمقام العلمي، وضنًّا بالوقت أن يذهب في غير فائدة أو فيما فائدته محدودة ، وفي الأيام الماضية سألني بعض الإخوة عمن يقول : إنه لا حاجة لاستفزاز العدو الصهيوني لئلا يردَّ هذا الرد، واستثناءً مما ألتزمه في نفسي أجيب جوابًا سريعًا بما ينقدح في الخاطر؛ لأنَّ عنايتي غير متوفرة للجواب عن ذلك في مثل هذا الظرف فأقول:هذه أربعة أسباب فقط ،

 

السبب الأول : أن العدو آخذٌ في تدنيس المسجد الأقصى وتهويده وبناء الهيكل بقفزات سريعة غير مسبوقة، فما كان يقطعه من الخطوات في سنتين أو ثلاث صار يقطعه اليوم في أسبوعين أو ثلاثة، مع ما يتضمنه ذلك من إهانةٍ للمقادسة وإذلالٍ لهم وتنكيل بهم واعتقال لفضلائهم ، هذا فضلًا عن الحَجْرِ عن فئات كثيرة لم يعد بوسعها أن تصل للأقصى للصلاة فيه، وكان هناك في حدود 50 حلقة علمية في المسجد كلها مُنِعت من سنين ، وفي الأيام التي سبقت العملية دنس المسجد الأقصى قرابة خمسة آلاف مستوطن إن لم يكن أكثر، وهذا هو العدد الأكبر الذي يحصل خلال أيام قليلة ولم يحصل مثله من عشرين سنة، فجاءت هذه العملية للرد على هذا التدنيس والتهويد المتزايد، ودلالة ذلك ظاهرةٌ في اسم المعركة: “طوفان الأقصى”.

 

السبب الثاني: إن العدو يمارس علينا عمليات موتٍ بطيء منذ خمس عشرة سنة، وعندنا جيلٌ شبابيٌّ كامل وُلِد داخل الأزمة، ️وجيل العشرينات والثلاثينات في أكثره معطلٌ في عامة جوانب حياته ، ️وكثيرٌ منهم لا يستطيع أن يتم تعليمه، ولا أن يتزوج ولا أن يبني بيتًا ولا أن يجد وظيفة ، وهذا كله ورَّث المجتمع كثيرًا من المشكلات الاجتماعية، فالبطالة تزيد والعنوسة تزيد، وقائمة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تطول وتطول ، ومؤخرًا هاجر من البلد عشرات الآلاف إلى بلاد الغرب ليجدوا شيئًا من القوت الذي يقتاتون به، وهناك العشرات أو المئات ابتلعتهم الحيتان والأسماك في البحر، مع أن غاية ذهابهم الانتقال من أزمة إلى أزمة .

السبب الثالث: إن العدو يعذب سادتنا الأسرى، وكثيرٌ منهم يموت كل يوم مرات ومرات، ولك أن تتخيل أن: بعضهم يعيش في متر ونصف من ثلاث عشرة سنة، وبعض الأسرى يتم إدخالهم إلى زنازين ملطخة جدرانها بالبراز، ويبقى الأسير في تنظيفها يومين أو ثلاثة في حالةٍ كئيبةٍ من الأذى وربما الانهيار النفسي ، هذا مع تعرية الأسير من الملابس، وضربه، فإذا انتهى من التنظيف نُقِل إلى زنزانةٍ أخرى ليعيد نفس الدور في كثيرٍ من الأحيان ، وقد بلغ الحال بالأسرى في المرحلة الأخيرة حدًّا لا يطاق، وبدؤوا يشعرون أن الأمة خذلتهم، وأنه لا أحد يشعر بشعورهم أو بمصابهم، بل لا يعلم بما يجري لهم! ومع تصاعد الخط الديني في الحكومة الصهيونية بقيادة وزير الأمن القومي ايتمار ابن غفير ومن على شاكلته ازداد الجحيم بالنسبة لهم ، حتى وصل لحدٍّ لا يُطاق فعلًا، وبدأت الأصوات في الأشهر القليلة الماضية تتعالى بضرورة العمل على تحريرهم واستنقاذهم من هذا الهوان ، أضف إلى ذلك ما تتعرض له الأسيرات من أفعال مهينة خادشة للدين والعفة والحياء مما لا أحب التطرق له ،فجاءت هذه العملية لتضع حدًّا لهذه المآسي الإنسانية التي لا تكاد تنتهي.

 

السبب الرابع: ما صرَّحت به المقاومـة أنها استطاعت الوصول إلى معلومات سرية تكشف عن استعداد العدو لشن هجمة شرسة ضد قطاع غزة، بحيث تكون قاصمة، فأرادت المقاومـة أن تُفوِّت عليهم الفرصة، وأن تحرمهم من مكتسبات المباغتة، بل أرادت أن تكون مكتسبات المباغتة بيدها هي لا بيد العدو ، ومن ثم جاء هذا الهجوم الكاسح ليحقق عدة أغراض مجتمعة ، وقد مررنا بتجربة شبيهة في حرب 2014؛ إذ استقر عند المقاومة أن العدو يريد أن يشن حربًا قاصمة على غزة، فبدأت تستفزه بعشرات الصواريخ خلال يومين من غير إعلان رسمي، حتى اضطر للدخول من غير أن يقدر على تحقق المكتسبات التي يتمكن من إنجازها عبر المباغتة من مثل قتل أكبر عدد من القادة، أو مئات الجنود أثناء دورات التدريب وما إلى ذلك . هذه أربعة أسباب كتبتها على عجل تحت أصوات الطائرات الصواريخ وليس من رأى وعايش كمن سمع أو قرأ أيها اللائمون المتجنون من غير علم ولا دراية بمجريات الأمور فتظلمون أنفسكم وتظلمون المقاومة ، أيها الظالمون : إن أهل الثغور أدرى بأحوالهم، وحق الذي لا يعلم أن يسأل قبل أن يستقر على رأي، وهذا مقتضى الحكمة، ولا يُمنع من هو خارج البلد من أن يفتي في أمر البلد؛ ولكن بعد أن يستكمل أدوات العلم بالواقع كما هو معلومٌ من شروط الفتوى ، وإني لأكتب على ضيقٍ في الصدر؛ فإن وقت الأزمات وقت نصرة لا وقت نقدٍ وتقييم، وإن من تشبَّع برواية الأنظمة المستبدة التي تتبنى الرواية الصهيونية نفسها لن يقتنع، بل يكون متحفزًا للرد على كل من يقترب من قناعاته لئلا تُمس ، ومن ثم فلا كبير نفع في مثل هذه المناقشات، ونحن من سنين وسنين وعينا ما أخبرتنا به النصوص النبوية من وجود الفئة الخاذلة، وأخبرتنا النصوص كذلك أن أهل الثغور لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم بإذن الله ، وعندي يقين تامٌّ أن بعض الناس لا يهمه أن يبقى شعب بأكمله تحت الذل والهوان والطحن والفقر والأسرى وتدنيس المسرى والتنكيل بالأسرى، فكأن هذه الحالة هي الحالة الطبيعية التي ينبغي التعايش معها، ولست أدري من هو هذا الباطل الذي يسمح لك بالقضاء عليه ثم هو صامتٌ يعاملك بذوقٍ ولطف! والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. انتهى حديث الدكتور الأسطل فهل من متعظ ؟!! ستضع الحرب أوزارها فلكل بداية نهاية وسيتحقق وعد الله تعالى بالنصر سينقضي الألم ويولد من رحمه الأمل وستظلون أنتم بظلمكم في غياهب النسيان لكن ما كتبتموه بأيديكم لن يمحى من كتابكم يوم القيامة ، فما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه .