أرجع مدير عام مركز لندن للبحوث أستاذ الإعلام في جامعة منيسوتا الأمريكية د. محمد عبد العزيز التراجع العربي الكبير على عدة صعد في السنوات الأخيرة والذي وصل إلى حد العجز عن وقف العدوان على فلسطين الذي أحدث مجازر إنسانية خلفت عشرة الاف شهيد وعشرين الف جريح حتى نهاية أكتوبر 2023 ، أرجع جزء كبير من ذلك إلى عوار الرسالة الإعلامية العربية ، وقال في إحدى مداخلاته بالمؤتمر الدولي للتحولات الإعلامية اندماج وتفكيك الذي أقامته الجمعية العربية الأمريكية بالتعاون مع كلية الآداب بجامعة الكويت : المهنية والإنسانية وجهان لعملة واحدة والرسالة الإعلامية لا ينكر أحد قوة تأثيرها على المجتمعات ، لكن العربية منها باتت تركز على مساقين فقط أحدهما الدعاية السياسية للحكومات والثاني سيل جارف من الأعمال الترفيهية والدراما التي كثير منها يزيف التاريخ ويدس السم في العسل فيعبث في أفكار المتلقين ومن ثم يغيب وعي المجتمعات ، وأضاف إن الرسالة الإعلامية العالمية والعربية أصابها الترهل من تعدد الوان النفاق فضلاً عن كونها لا تراوح مكاناً تدور فه في فلك المسؤول ونشاطه وصفاته والأجندة السياسية بدلاً من أن تعكس أنشطة الدولة وحراكها العلمي مثلًا ، أو تسلط الضوء على العلماء واكتشافاتهم وأبحاثهم والنابغين في كافة المجالات من دون محاباة .
وتناول عبد العزيز دور مواقع التواصل الاجتماعي في الحرب على فلسطين فقال : لمنصات التواصل الاجتماعي أدوارًا رئيسة في حياتنا ، وجاء دورها في الحرب على غزة ليشكل جزء رئيس من ذلك المنحى ، فأتى بشكل إيجابي تارة وبشكل سلبي تارة آخري حيث يتم خنق وحجب الحسابات المؤيدة لغزة من قبل ملاك شركة ميتا ( فيسبوك وانستجرام ) ، هناك معركة مغايرة لتلك التي على الأرض في غزة ، طرفاها نشطاء على مواقع التواصل عرب وأجانب ممن يؤمنون بعدالة القضية وبإجرام المحتل في جانب ، وملاك منصات التواصل العالمي على الجانب الآخر ، الطرف الأول يكتب وينشر محتوى متلفز ومصور ومكتوب ويجتهد في التنوع بينها ، بينما الطرف الثاني يقف حجر عثرة أمام وصول تلك الرسالة إلى العدد الأكبر من المتابعين فيقوم بالحجب وتقييد المحتوى بحجج مختلفة ،الطرف الثاني لديه قوة الانتشار والتأثير، مثل انستجرام وفيسبوك التي لها قيمة سوقية كبيرة وهي المملوكة لشركة «ميتا» فتقدم الأجندات السياسية والعقائدية على المهنية والعدالة فتحذف محتويات يناصر صناعها القضية الفلسطينية ، ما يؤكد أنها لم تعد ساحات لتشكيل الرأي العام في ظل ذلك الخنق للمهنية . فآلاف التدوينات اكتشف كتابها مسحها فطالبوا بتعديل الخوارزميات لموقع «فيسبوك»، بعد ملاحظة الاف الرسائل لتقييد المحتوى وندرة علامات الإعجاب على منشورات لأشخاص يتمتعون بشهرة كبيرة ، وعدم القدرة على البث المباشر أو التعليق، وحجب الهاشتاغات (الوسوم) المتعلقة بحماس و”طوفان الأقصى” وإخفاؤها من البحث. ما يعد من الخوارزميات المجنونة التي لابد لها من حلول لأنها تجعل كثير من النشطاء على مواقع التواصل يتوقفون عن نشر أي معلومات أو حتى ولو صحيحة لدعم القضية تفادياً لوقف حسابه على منصة «فيسبوك» ، ولا يصب هذا التقييد إلا في خانة تقزيم احترام المتابعين للمنصة لأنه دليل دامغ على ازدواجية المعايير في السماح لنشر محتوى يروّج لوجهة نظر في جانب واحد – رغم أنه الجاني بينما يحارب الجانب الآخر بحجب محتوى مؤيديه رغم أنه الضحية ، ولقد اشتكى المستخدمون الفلسطينيون الذين يصورون الدمار بالقطاع على “إنستغرام” من إزالة تعليقاتهم، في انتهاك لمعايير ميتا، في حين يلقى الأوكرانيون معاملة خاصة عند نشرهم الصور بدعوى أنه ذو قيمة إخبارية.
وأكد أن ممارسات “ميتا” الرقابية تشكل الوجه القبيح للإعلام العالمي على مواقع التواصل وبالتالي على الجميع اللجوء إلى وسائل الإعلام البديلة التي تنشر تقارير عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، من قبل شبكات التواصل وعمالقة مثل ” إكس ” لاسيما بعد دعم مالكها ماسك للقضية الفلسطينية واعلانه عن الحرية والمهنية في موقعه تويتر سابقًا .
وعزى عبد العزيز تعمد تلك المنصات وصف حركة «حماس» بأنها إرهابية تواجه جيشاً نظامياً وهو الجيش الإسرائيلي ، فضلًا عن رصد محتوى يدعم الرواية الإسرائيلية في العدوان ، هذا التعمد ليس إلا جزءًا من الحرب النفسية التي تقوم بها إسرائيل في الفترة الأخيرة لرفع الروح المعنوية لجنودها بعد أن زلزلتهم المقاومة . مشيرًا إلى أن هذا الخنق والتضليل مع الرقابة على حسابات مدونين على إنستغرام سبق وحدث أثناء احتجاجات عام 2021 في حي الشيخ جراح ضد محاولات الاحتلال إجلاء عائلات مقدسية من منازلها لصالح المستوطنين، وغارات الجيش الإسرائيلي على مدينة جنين في الضفة الغربية عام 2023، والآن الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل على غزة”.
وأوضح أنه رغم هذا الكم من لتحديات والمثالب للطرف الثاني غير أن الطرف الأول قد نجح في تغيير المعادلة شيئًا فشيئًا ، فزادت الضغوط الشعبية الغربية على الحكومات التي ساندت المحتل منذ اللحظة الأولى وصححت الصورة الكاذبة التي كان يشيعها اعلام الاحتلال ومن عاونه وسقطت وسائل اعلام عالمية شهيرة في فخ اللاإنسانية وانعدام المهنية ،مؤكدًا أن المهنية والإنسانية وجهان لعملة واحدة وإن سقط التعامل الإنساني في مهنة نبعت من رسالة الأنبياء وهي البلاغ والتنوير سقطت المهنية .
ولفت إلى أن الواقع الحالي على الأرض يؤكد نجاح القوة الناعمة في إحداث ذلك التغيير والدليل تصويت 120 دولة على قرار وقف الحرب في الأمم المتحدة فضلًا عن خروج كثير من التظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني منها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، وتراجعت بعض التصريحات المتشددة لدول داعمة للكيان الصهيوني وزاد السخط الشعبي العالمي من تصرفات المحتل المجرمة ، ويرجع هذا لعدة أسباب في مقدمتها بسالة المقاومة وصبر أهالي غزة وصمودهم أمام الإجرام والقتل الممنهج خارج إطار القوانين والأعراف الإنسانية والدولية من دون حسيب أو رقيب فكما صوره أحد النشطاء الساحة عبارة عن 2 مليون صامد و 2 مليار صامت ، ومن ضمن أهم الأسباب تلك القوة الناعمة المتمثلة في استثمار مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الحذر من كافة الأطراف من اندلاع حرب عالمية ثالثة في الشرق الأوسط .
وختم عبد العزيز : إن ما يحدث من التقييد على المحتوى الخاص بالقضية الفلسطينية هو تقييد للمهنية ولا يعبر إلا عن انحياز آيديولوجي واضح يرسخ أن تلك المنصات ليست مصدراً جيداً للمعلومات ، لاسيما في أوقات الأزمات لتأثرها بالاستقطاب السياسي ، ما يضعف من قيمتها في المستقبل ويعمل على تقزيم متابعيها على المدى القريب .
ووجه رسالة إلى الأمريكان جاء فيها : يامن تجندون أنفسكم مدافعين عن حرية الشواذ حول العالم وحرية الصحافة ، يا من تملكون 80% من تلك المنصات : لقد غيبتم الحيادية والموضوعية وهي أهم دعائم المهنية ، ومن ثم فقدت منصاتكم مصداقيتها وريادتها ما يشكل خطرًا على استمرارها في المستقبل لفقدان ثقة ملايين المتابعين فيها ، فرغم كل تدابيركم في اعلامكم التقليدي ” الرائد ” لتضليل الناس حول العالم وما تقومون به في منصات ميتا لحجب الآراء وتبني وجهة نظر طرف واحد ” ضال ” ، فإن تقريراً لـ ” وكالة الصحافة الفرنسية ” قدم دراسة حالة قاتمة عن تضاؤل قدرة منصاتكم على مكافحة المعلومات الكاذبة فما بالكم بالصادق منها ، وأشار إلى أن الحرب على غزة قد كشفت سوءاتكم ووضعت خنجرًا في مستقبلكم ، وأرى أن العدوان على غزة ربما يكون قد ” شيع ” منصات ميتا الأمريكية .