جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب؛ فقال: يا أمير المؤمنين فلان أحق أن يكون أميرا. قال له: وهل عرفته؟ قال الرجل: كان لا يترك الصلاة معنا في الصف الأول منذ خمسين عامًا. قال: وهل سافرت معه؟ قال: لا. ثم قال: وهل تعاملت معه بالدرهم والدينار؟. قال: وهذه لا. فضربه (رضي الله عنه) بدرته حتى أوجعه، وقال: كيف تمدح رجلاً وأنت لم تستكشفه بالكاشِفَين، أي البيع والشراء، والسفر؛ وإنما سمي السفر سفرًا؛ لأنه يكشف عن خبايا الرجال. ومن هنا قيل للكتب أسفارًا.
دخلت امرأة على الحجاج بن يوسف الثقفي فأعطاها، وأغناها، وقال لها- وهو يريد أن يختبر ولائها- ماذا تقولين بعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين. قالت: وماذا أقول في رجل أنت خطيئة من خطاياه. وفي مجلس الحجاج منافقون. قال أحدهم: ما أرى إلا أن تقطع لسانها. وأما الثاني فقال: لا بل اقطع يديها ورجليها. والثالث: زاد نفاقا فقال: بل اقلع عينيها. فأرادوا بها كيدا فكادت بهم، فنظرت إليهم نظرة المتيقن المتفحص، وقالت: عليكم اللعنة. ثم التفت إلى الحجاج وقالت: والله إن لجلساء فرعون، خير من جلسائك. قال لها: ولِمَ؟ قالت: لما جاءهم موسى، قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)الأعراف. وما أمروا بقطع لسانه، فضحك الحجاج وعفا عنها. فلو كانت النساء مثل هذه المرأة لفضلت النساء على الرجال.
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ *** ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
والهلال مذكر؛ لكنه أقل ضوء وإضاءة من الشمس، والشمس مؤنث، لكنها أكثر ضياء ووضاءة من القمر، بل إن القمر يستمد ضياءه منها!!. والعرب: تجعل المذكر للمؤنث إذا كان صاحب شأن، فالمراة إن كان لها شأن، فلا نجدهم يقولون: (جاءت فلانة) بل ( جاء فلانة). والرجل إن كان فارغا يقولون: (جاءت فلان) فيؤنثون له، وكذا جمع الرجال إن كانوا لا يأتون بشيء؛ فنجد الله تعالى في القرآن العظيم – والذي نزل بلغة العرب- يقول: وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وجمع النسوة اذا كان قويا، يأتي مذكرا، قال تعالى: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ وما جاء اللفظ هكذا إلا لعلو شأنهنَ. وقال ابن مالك: في الفيته في (النحو) :
” وَقَدْ يُبِيحُ الْفَصْلُ تَرْكَ التَّاءِ فِي … نَحْوِ «أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ»”؛ أي ماجاء اليوم إلا فلانة. “والحذف مع فصل بإلا فُضِّلا … كما زكا إلا فتاةُ ابن العلا”؛ أي ما فاز اليوم (إلا فلانة). فلم يقل: ما فازت؛ لأنه المرأة إن كان لها شأن ذُكِر فعلها. والرجل إن ساء شأنه، أُنث فعله. كما أن جمع النسوة إن كان على خير، يطلعن بنتيجة ويقولون النساء: (كيدهن عظيم). ونحن لا نعرف عن الكيد إلا إذا استعمل في الشر، ومع هذا فقد يستعمل الكيد ويراد به الخير، قال تعالى: كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ، ولو أنهم أخذوا بدين الملك لقتله، ولكنهم أخذوا بدين اليهود فنجا. وقال تعالى أيضا: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا. وَأَكِيدُ كَيْدًا.
والكيد في النساء قد لا يأتي إلا بخير، فحين اجتمع النسوة على سجن يوسف، سجن، وكانت عاقبة سجنه الخير بل كل الخير؛ فمن النساء إن اجتمعن، لا يسفر اجتماعهن هذا إلا بنتيجة خير لهن أو لمن حولهن، وهذا ما حدث به القرآن، حين حدثنا عنهن؛ فذكر فعلهن بصيغة التذكير لا التأنيث: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ، ولم يقل( قالت) النسوة.
فتربية الأبناء إن كانت على عاتق المرأة وحدها، نجدها تصب جهدها على الولد فينشأ مستقيما يتحلى بالأدب والخلق الرفيع. فـ: “الأم مدرسة إذا أعددتها… أعددت شعبا طيب الأعراق”
القارئ الكريم : إن أردت أن تربي جيلاً يتحلى بالخلق والمثل العليا، والمبادئ الصحيحة ومن ثم ينجح في حياته ؛ فاختر المرأة الصالحة، ذات الخلق والدين؛ فهي الأم المثالية التي تنشئ جيلاً مسلماً واعيًا مثقفاً، كما أنها تعينك على شطر دينك، وتهاجر بك وبأولادك إلى الخير، فيهجروا الخلق السيء والذنوب والآثام، كما أنها تأخذ بعائلتها إلى مراقي العلم؛ ليهجروا الجهل وظلمته، ولا شك أن هذه المرأة تعمل جاهدة للكيد بأعداء الدين، وكيدها هذا يسفر عن نتيجة تصب في خير المجتمع المسلم وصالحه. ولا ننسى أن باب الهجرة قد أغلق، فلا هجرة بعد هجرة بعد الفتح، ولم يبق إلا هجرة الذنوب والآثام لنرتق بها ونكون من أهل الله وخاصته. (أعظم من ذكر الكيد يراد به الخير) وهذا درس لأحد مشايخنا.