كتاباتُ تتدفق، وأحاديثُ تنهمر، حول تطوراتٍ متسارعة في مجال ما يُسمى الذكاء الاصطناعي. وبين تهويلٍ يصلُ بعضه أحيانًا إلى تصور أن هذه التطورات تنطوي على معجزاتٍ خارقة، وتهوينٍ يبلغُ في جانبٍ منه حد إغفال آثارها السلبية والإيجابية في آن معًا، لا يُدققُ في استخدام كلمة الذكاء في التعبير عن التقنيات المقصودة.
لا يوجد اتفاق على معنى الذكاء البشرى وتجلياته ومعايير قياسه. هناك من يقبلون تعريفًا بالغ العمومية للذكاء يفيدُ أنه يشملُ قدرة العقل على الربط بين الأمور لفهمها والتصرف بشأنها. وثمة من يرون أن أهم ما فى الذكاء هو سرعةُ التعلم وامتلاكُ مهارات إما متنوعة أو مُحددة. ويُختلفُ أيضًا على ما إذا كان الذكاءُ قدرةً عامة أم قدراتٍ متعددة مُستقلة كلُ منها عن الأخرى.
فما علاقةُ كل هذا بما يُقالُ عنه ذكاءُ اصطناعي وضع عالمُ الكومبيوتر جون مكارثى أول تعريفٍ له عام 1956، وهو أنه علمُ صنع الآلات الذكية، وكأنه عرَّفَ الماء بالماء. وإذا كان المعنى المتداولُ له الآن هو تلك الخصائص التي تتسم بها برامجُ إلكترونية تُصّمم لمحاكاة القدرات الذهنية للإنسان، فهذه القدرات مُختلفُ على ما يتعلقُ منها بالذكاء البشرى.
وإذا كان الأساسُ في برامج وتطبيقات ما يُسمى ذكاء اصطناعي هو محاكاة العقل البشرى، أفلا يعنى هذا أنها تبقى مهما تطورت معتمدةً على البيانات التي يزودها بها بشر، وأن هذا الاعتماد يجعلُها مُقيَّدةً بما تُزودُ به؟
وإذا كان الجوابُ عما سبق بالإيجاب، فهل يمكنُ أن تتجاوز هذه البرامجُ والتطبيقاتُ توظيفها لأغراضٍ محدَّدة، وتكتسبُ استقلالاً، وإلى أى مدى يمكنُ تطويرها لأداء أهم وظائف العقل البشرى وهو التفكير والإبداع والابتكار، وهل سيكونُ فى استطاعتها أن تقوم بأعمالٍ تتطلبُ مهاراتٍ إبداعيةً تختلفُ من شخصٍ إلى آخر، ودقةً لا تتوافرُ إلا فى وجود قدرة على التدقيق والفرز المنهجى.
والسؤالُ المحورى فى هذا كله هو: هل يمكنُ تطوير برامج مبدعة، أو إبداع اصطناعى، وهل هى مسألةُ وقتٍ حقًا؟ وإذا لم يوجد جوابُ مقنعُ، ففيم كلُ هذا الصداع الذى يلاحقنا؟
عن جريدة الأهرام