كان النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم من أنصار المرأة العمليِّين، حيثُ مثَّلت رسالته السَّماويَّة ثورة تحريريَّة ساطعة لها، ونصَّ دستوره الإلهي على مساواتها التَّامَّة بالرَّجُل في الخلق، والتَّكريم والإنساني، والتَّكليف والحِساب والجزاء، ومشاركته في المجال الاجتماعي العام، بما يتناسب وخصوصيَّاتها الفطرية، التي تميّزها عنه، وكفل علاقتها بالرجُّل بقوله تعالى: هن لباس لكم وانتم لباس لهن” البقرة 187.
. وفي ظِلِّ التَّراجُع الحضاري للأمَّة الإسلاميَّة، ظهرت حركة أُنثويَّة Féminisme غربيَّة متطرِّفة، تنادي بضرورة تمزيق هذا اللِّباس، بهدف تفكيك أقْدس مشروع أُسِّس على المودَّة والرَّحمة والسكون النَّفسي 2_”ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” الروم: ٢١ – إلا أن الحركة النِّسويَّة المتأسلمة، التي تحاول أسْلَمة أفكارها العلمانيَّة، المنتقاة من داخل العالم، والمقطوعة الصِّلة بالوحْي، والدَّاعية إلى إعادة قراءة القُرآن بما يوافق المزاج اللِّيبيرالي، وتجاوز النَّص القُرآني المقدَّس وسياقاته الصَّحيحة، وحصْرِه في إطار مفهوم القراءة التَّاريخانيَّة للنُّصوص الدِّينيَّة، والمنكرة للسنَّة النَّبويَّة كمرجعيَّة إسلاميَّة، لم تتفكَّر، ولم تتدبَّر في هذه الآية الكريمة، وتمرَّدت على القانون السَّماوي، الذي تراه خانِقاً لحريَّتها، ومكبِّلاً لإرادتها، وأطلقت عنان المفاهيم الفوضويَّة الجنونيَّة عن حريَّة المرأة التي تنشدها، طمعاً في عالم تتمركز فيه حول ذاتها، تأسياً بالمرأة الغربيَّة؛ وغفلت أن تبحث وتدقِّق في نظرة الترُّاث الثَّقافي الغربي للمرأة، الذي تجاهلته المرأة الغربيَّة نفسها، التي أعرضت عن النَّظر في غُلُو النَّظريَّات الفلسفيَّة الغربيَّة التي جَنحت إلى احتقار الأُنثَى، ومناقشتها، كأن تقِف على مناهضة رأي فرويد 1856-1939م، فيها حين قرَّر” أنَّ الرَّجُل يمثِّل كامل الإنسانيَّة، وأنَّ المرأة تعيش آسِفة أن لا تكون رجلاً”. ولتستمتع إن شاءت بوصيَّة الفيلسوف نيتشه الخالدة 1844-1900م، التي يقول فيها: “إذا قصدت النِّساء فخُذ السَّوط معك” ولها أن تُطْرَبْ بأسَفْ أفلاطون الشَّديد لأنَّه “ابن امرأة وظلّ يزدري أُمَّه لأنَّها أُنثى”. وأن تُدقِّق في المساحة التي خصَّصها لها سقراط 470-399 ق.م حينما قال: “للرِّجال السيَّاسة وللنِّساء البيت” ولها أن تقرأ في كتابها المقدَّس، ما جاء في رسالة بولس، من وجوب امتثال المرأة وخضوعها لتعاليم المجتمع الذُّكوري، في الإصحاح 11: 7-11 ” الرَّجُل لم يوجد لأجل المرأة، بل المرأة وُجِدت لأجل الرَّجُل، لذا يجب على المرأة أن تضع على رأسها علامة الخضوع” ولها أن تقرأ أيضاً عن حقها في حُريَّة التَّعبير في الرسالة نفسها، في الإصحاح 35:14″ لتصمت النِّساء في الكنائس فليس مسموحاً لهنَّ أن يتكلَّمن، بل عليهنَّ أن يكنَّ خاضعات على حد ما توصي به الشَّريعة أيضاً، ولكن إدا رغبْن في تعلُّم شيء مَا فليسألن أزواجهن في البيت، لأنَّه عار على المرأة أن تتكلَّم في الجماعة” إصحاح 14: 35، ولها أن تتدبَّر في كتابها المقدس، كيف حمَّلها وحْدها أوزار الخطيئة الأولى، كما ورد في سفر التكوين في العهد القديم:” فلقد سأل الرَّب آدم: هل أكلت من ثمر الشجرة التي نهيتك عنها؟ فأجاب آدم: إنها المرأة التي جعلتها رفيقاً لي، هي التي أطعمتني من ثَمَر الشجرة فأكلت. فقال الرب للمرأة: أُكثرُ تكثيراً أوجاع مخاضك، فتنجبي بالآلام أولاداً، وإلى زوجك يكون اشتياقك، وهو يتسلط عليك”.- ومن هنا، فالتيَّار النِّسْوي في حقيقته يدع إلى ذكوريَّة المرأة، لا إلى مساواتها به أبداً، حيثُ يدع الرَّجل النِّسْوي إلى إلغاء المرأة لصَالحِه؛ لأنهَّا كائن معيب من منظوره، ولا يتم إصلاحها إلا إذا أصبحت رجُلاً. وعليهْ، فالرَّجُل في التيَّار النِّسوي هو المعيار الأوَّل والأخير في تحديد الإنسان السَّوي، وما يناسبه من حقوق، وما يترتَّبُ عليه من واجِبات.
ولمواجهة هذا الفكر العلماني الحدَاثي، الذي رفض أيّ تدبير سماوي، أو رعاية إلهيَّة للمجتمع بكل مؤسَّساته، وتعدَّاها إلى منظومته القيميَّة والأخلاقيَّة، الذي جعل الرَّجُل معركة المرأة ومأساتها التي لا تنتهي؛ وجب على المجتمعات الإسلاميَّة، التي تنبُّذُ هذا الجنون الفكري الغربي، تقديم العقيدة الإسلاميَّة الصحيحة، التي تنبذُ الغلو والتطرف، في إطار خصائص ومميزات المنهج الوَسَطي القُرآني الحضاري، والتَّركيز على بُنوده القانونيَّة السَّماويَّة، التي تُحرِّرُ فِكر الرّجُل المسلم من قيود الضَّيق الفكري الذي اضطهد به المرأة، مُعرِضاً عن تنفيذ أهم بنْد من بنود وصيَّة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم الخالِدة التي أوصاه بها عن المرأة، وهو يودِّعُ أُمَّته في حجَّة الوداع، وتشبَّث بالمفاهيم الخاطِئة التي حجبتْه عن الفهْم الصَّحيح للإسلام، كالتَّعسُّف بالتأويل الخاطِئ لبعض النَّصوص القُرآنيَّة، كالنَّص المتعلِّق بقضيَّة ضَرب المرأة، عِلماً أنَّ الذي أُنزِل عليه الوحْي، لم يضرب في حياته امرأة قطْ، ومفهوم القِوامة، وتعدُّد الزَّوجات، وحِرمانها من نصيبها من الميراث بشكل كلِّي، تأويلاً سطحيّاً يتلاءَمُ وحاجته النَّفسيَّة. إضافة إلى القِراءات المخْجِلة التي لا تحترم عقل المرأة، وإنسانيَّتها، كسوء فهم حديث: النِّساء ناقصات عقل ودين، وحديث خُلِقت المرأة من ضلع أعوج، وحديث لن يفلح قوم ولَّوا أمْرهم امرأة، دون استصْحاب المنهج الصَّحيح لقراءة الأحاديث النَّبويَّة، الذي بُنِيَ على الفهم الدَّقيييق لأسْباب ورودها، والمبااااالغة في الاهتمام بمظهرها الخارجي، وقراءاته المنفِّرة حول لباسها الشَّرعي، وغيرها من القضايا التي فتح بها فجوات عرييييضة للحركة النِّسويَّة، وساهم بنفسه من حيثُ لا يدري، في دعم الغُلُو العلماني الذي رفض أيِّ سلطان على العقل الإنساني غير سُلطان العقل، والذي عمل على أنْسَنة الدّين Humanisme وجعل الإنسان مركز الكون، ومرجعيَّته الوحيدة على الأرض، لنشر هذا الفكر الفَوضويّ الجنوني، وعولمته في مواثيق دوليَّة، ضِمن مشروع الهيمنة الغربيَّة على المجتمعات المغلوبة ،والمفتونة بالمجتمع الغالب. إذ لا يكتفي الفكر المهيمن على احترام الحريَّات الدِّينيَّة، التي يتغنَّى بها كما قرَّرها القُرآن، وفْق مبدأ 3″ لكم دينكم ولي دين” الكافرون 6 – وترك الآخر المخالف له يمارسُ عقيدته في سِلمٍ وأمان، وإنَّما يضطهده بشتَّى السُّبُل للارْتِدادِ عنها، ويخدعه بشتَّى الحِيَل ليجرُّه إلى اعتناقِ عقيدته هو، مصداقاً لقول الحق: ﭐﱡﭐ 4_” ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولىن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير” البقرة 120. ومنْ هنا، وجب على المسلم تصحيح الواقع، وليس التَّصالح مع الواقع، حتَّى يتسنَّى لمشروعه المؤسَّس على المنهج الوَسَطي القُرآني، الصُّمود أمام المخططات التَّنصيريَّة والتَّغريبيَّة، التي تنادي بعزل المرأة المسلمة عن منظومة قيم دينها الأخلاقيَّة بكاملها، والتي تؤدِّي إلى ضياعها، وضياع المجتمع كلِّه، من خلال تحقيق المخطَّط الخطير الذي يهدف إلى تفكيك الأسْرة الإسلاميَّة من جذُورها بحجَّة تحريرها من قيود الرَّجُل، أن يتمَّ تحرير فكر الرَّجُل أوَّلاً. ووجب على المرأة المسلمة العاقِلة، إن أرادت التَّميُّز عن المرأة الغربيَّة؛ أن تعي جيِّداً باستحالة اجتماع الإيمان بالإسْلام، والإيمان بالنِّسويَّة الإسلاميَّة معاً في قلب المرأة المسلمة، التي فُطرت على دين الفطرة التي فطر الله النَّاس عليها، لقول الحق سبحانه وتعالى: 5_ “ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه” الأحوال 4 وما أفْضى إلى المحال مُحال. وعليها أن تَعي أيضاً أنَّ المساواة بين الجِنسين، هي مساواة الشّقَّين المتكاملين لا مساواة النِّدَّين المتماثلين. فإن كان الله قد خوَّل الرَّجل مسؤوليَّة البناء والتَّشييد، وغيرها من التَّكاليف الشَّاقَّة لعمارة الأرض، فقد خوَّل المرأة، وعهِدَ إليها بناء الإنْسان نفْسه. فما أعْظمه من تكريم !! ومن هنا، تتقرَّرُ حُريَّتها بالإسْلام….وليس من الإسْلام