مراجعة كتاب أبي الذي أكره لكاتبه/ د. عماد رشاد عثمان – عدد الصفحات: 310
تقييم (goodreads): 4.20 – سنة النشر: 2020
“هذه الحروف لا تحمِل غرض التعميم، ولا تتحدث عن الأبوَّة في مطلقها، ولا الأمومة بشمولها؛ لا نتحدث عن آباء بذلوا ما بوسعهم في الرعاية والاعتناء ولا أمَّهات قدَّمن الاستطاعة في القيام على أولادِهن.
إنما نتحدث عن المرض الذي قد يصيب الأب فيصنع منه وحشًا كاسرًا، أو الأم فيصنع منها تجسيدًا للأذى؛ نتحدث عن أولئك الذين أساؤوا أو أذوا ولم يستطيعوا أن يقدموا أبسط الاحتياجات؛ المحبة”
-قُسِّمَ الكتاب إلى خمسة أقسام :
1- السجن.
-أورد فيه الكاتب قصصًا وتجارب لأشخاص تعرَّضوا لإساءات مختلفة من والديهم.
2- التكوين.
-تحدَّث فيه عن الفكرة القائلة إن كل إساءة في تكويننا الأعمق تحمل أربعة أبعاد (جرح الهجر والخوف والخزي والاستياء)، و فصَّل في عرض كل بعدٍ من الأربعة.
3- الإساءات واضطرابات العلاقات.
-أسهب الكاتب هنا في الحديث عن الاضطرابات التي تنتج عن مختلف الإساءات، فكل إساءة تترك عِلَّة ما في البناء الشخصيِّ، وكل عِلَّة تؤدِّي بدورها لاضطراب ينعكس على علاقاتنا الاجتماعية.. فنصبح جزءًا من دائرة الأذى.
4- التعافي.
-فصل قصير جاء كمقدمة للذي يليه، يؤكد الكاتب فيه على ضرورة البوح وإعادة فتح الملفَّات القديمة؛ لأن الطريق المؤدي لتجاوز أي شيء هو من خلاله، فالمخرج لن يكون أبدًا عبر محاولات الاجتناب والتأجيل.
5- مراحل التعافي من الإساءات.
-هو الفصل الأطول، يتحدَّث فيه الكاتب كما يتَّضح من عنوانه عن مراحل التعافي الخمس..
الإنكار و الغضب ووضع الحدود واستعادة الذات، ومن ثم المرحلة الإلزامية الأخيرة، مرحلة التجاوز.
يسهب في شرح كل مرحلة وما قد تمرُّ به من تخبُّطاتٍ خلالها..
ثم يعرج الكاتب على عناوين جانبية تحت مظلة نفس الفصل، مثل طقوس التخلِّي وممارسة الامتنان والبحث عن رفقاء التعافي، والفصل الأقرب لقلبي، الذي شرح فيه ما تختلج به نفسي عن أبعاد المحبَّة الشافية: المطلقة والمستنيرة والعفوية.
-رأيي الشخصي:
-أولًا.. الطريقة التي قُسِّم الكتاب على أساسِها لم تكن الأمثل بالنسبة لي، يحتاج الأمر للمزيد من التبسيط والتنظيم، يمكنك بسهولة أن تتيه داخل كل باب ناسيًا الموضوع الأساسيَّ الذي يتناوله ذلك الباب.. ربما لأن الكاتب يسهب كثيرًا في الحديث عن كل نقطة فرعية حتى تنسى النقطة الأساسية التي عندها بدأ.
-ثانيًا.. لغةُ الكتابِ عربيةٌ فصحى، تتميز بجزالة الألفاظ وكثرة التشبيهات والتعبيرات الجماليَّة، وهذه النقطة بالذات سلاحُ ذو حدَّيْن..
إجادتك للغة بالطَّبع نقطة قوة، ولكن إسرافك في استعراض هذه الإجادة قد يُفقِدها رونقها، وإسرافك في التشبيهات ومحاولة التكلُّف فيها قد ينزع عنها سِمَتها التوضيحية التي لا تقل أهمِّيَّةً عن تلك الجماليَّة.
وقد كانت هذه ملاحظتي الأكثر حضورًا من بدايات الكتاب، وكنت سأفضِّل عدم ذكرها لاعتقادي أنها نظرةٌ فرديَّةٌ وقد لا يضايق هذا غيري..
إلى أن وجدت الكاتب يشير إليها في طيَّات حديثة عن “الاختناق بالدَّور” فيقول:
“دعني أمنحك مثالًا شخصيًّا.. أحيانًا قبل أن أبدأ بكتابة موضوع ما، أجد احتياجًا نفسيًّا لديَّ أن أعبِّر عما يعتمل داخلي ببساطة ومباشرة، ولكن دور (الكاتب المميَّز لغويًّا) أو دور (الفصيح البليغ متقن الصياغة) قد يجبرني بلا وعي على التعسُّف ودخول الفكرة داخلي ميكنة وسيطة ربما تترجمها للغة لا أنطق بها، وبالتالي لا أفكِّر من خلالها؛ لغة احترافية ذات قواعد مغايرة للسلاسة والانسيابية المتعلِّقة بلغة التفكير والحوار الداخلي.. لا يمكنني أن أكتب بالعاميَّة أو بلغة أكثر بساطة وصوت داخلي يخبرني “لن يليق بك” أو “لن يستوعبه القارئ منك”، يناديني أن تبقى صورتي لديهم وصورة مكتوباتي متعلِّقة بخطيب مُفوَّه، وبصياغة أدبيَّة نخبويَّة يرهقون أدمغتهم في تتبع حياكتها واستشفاف مدلولات رموزها، حتى إن غابت خلال تلك العمليَّة حاجتي للإفصاح والتِّلقائية وذهبت بي اللغة لمساحات بعيدة عن المراد”
-أما بخصوص المحتوى، فالكتاب عظيم من الجهة التحليلية.. تحليل الإساءات ونتائجها، وتفصيل الحالات الشُّعوريَّة التي قد يمرُّ بها كل متعرِّض للإساءة، مع ذكر أمثلةٍ لتجاربَ واقعيَّةٍ إما لمتعافين أو لأناس مازالوا في رحلة تعافيهم.
-لا يورِد الكاتبُ هنا خطواتٍ للتَّعافي.. أعني أنَّك لن تجده يُملي عليك نقاطًا إن التزمتَ بها ستكون على ما يرام، إنما يصفُ لك الرحلة من بدايتها وحتى نهايتها بالتَّجاوز لترسم أنت خطة تعافيك وتختار المسلك الأنسب لرحلة تجاوزك.
-أعتقد أنه من الكتب الهامَّة التي يُحَبَّذ أن يقرأها الآباء والأبناء على حد سواء.. من تعرَّض للأذى ومن لم يتعرَّض.. ستستفيد بشكل أو بآخر.
ختامًا.. إلى أبي وأمي اللذيْن أُحبُّ.. لم أذق يومًا منكما طعمًا للأذى، لم أتجرَّع يومًا قسوة أو غلظة من أحدكما.. كنتما خير الأبوين، يكاد الحنان يقطر منكما، وأكاد أشعر بالحب منكما في كل قسماتكما.. شكرًا لله عليكما، وشكرًا لكما أن صُنتما هبةَ الله لكما.