أصبحت قضية تغير المناخ على رأس التحديات التي تواجه عالمنا المعاصر، بعدما ثبت بالدليل العلمي أن الأنشطة البشرية المسبب الرئيس منذ الثورة الصناعية وحتى الآن في أضرار جسيمة تعاني منها كل الدول والمجتمعات، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز والفحم، ما خلف انبعاثات وغازات دفيئة تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة مسببة هذا التغير، ووفق التوقعات ستصبح جميع مناطق العالم أكثر دفئًا، فقد أرتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض خلال المائة عام الماضية بحوالي 0.74 درجة مئوية، كما ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 17 سم خلال نفس الفترة، وستطول المواسم الحارة وتصبح المواسم الباردة أقصر، ناهيك عن تقلص نطاق جليد بحر القطب الشمالي بنسبة 2.7 % خلال كل عقد، مع زيادة التقلص في فصل الصيف، وانحسار القمم الجليدية ومتوسط الغطاء الثلجي في نصفي الكرة الأرضية، لكن هطول الأمطار سيكون أكثر كثافة، مما يتسبب في مزيد من الفوضى في الفئات الضعيفة من سكان الأرض.
ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم تأثرًا بأحداث “التطرف المناخي” الناجمة عن الاحترار العالمي، حيث تشهد المنطقة ارتفاعًا ملحوظًا في متوسط درجات الحرارة، ما أدى إلى زيادة في موجات الجفاف، التى سببت قحولة الأراضي وندرة المياه، ما يعني المزيد من المناطق غير الصالحة للحياة، وعنصرا كبيرا في التأثير على جدوى واستدامة مشروعات التنمية، خصوصا في المنطقة العربية، فهى ليست بمنأى عن التأثر بهذه الظاهرة، والتي أصبحت تُلقي بظلال تأثيراتها على الأوضاع البيئية والمائية، حيث تنطوي التحديات على مصفوفة معقدة من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية وغيرها من القضايا، اضافة إلى احتمالية التسبب في ظهور أوبئة جديدة خلال السنوات المقبلة، وفقًا لدراسة أجراها فريق من العلماء بجامعة أوتاوا في كندا حول تغير المناخ الذي يتفاقم بمرور الوقت، ما أثار قلق وتساءل العلماء عما إذا كانت البشرية في عام 2040، ستكون قادرة على الاستمرار في كل ما من شأنه أن يحفز هذا التغير المناخي، والذى أصبح يمثل تهديدًا أكبر من الحرب، أنه سيؤدي لتفاقم عدم الاستقرار حول العالم، وهذا ما أثاره مؤتمر ميونيخ للأمن والذي عقد فى فبراير 2022.
ومن الجلي بأننا نحتاج إلى إجراء تغييرات تحويلية وإمكانات فريدة للتصدي لأزمة المناخ، وهذه الإجراءات تعتمد على التكنولوجيا والابتكار، فالتحول الرقمي وتقنيات الجيل الخامس يمكن أن تساعد في التصدي للتحديات المناخية، وهي خطوة أساسية للمعالجة، فوفقًا لعلماء الاتصال حلول تكنولوجيا المعلومات يُمكن من تقليل انبعاثات الكربون العالمية بنسبة تصل إلى 15٪ بحلول عام 2030، ما يعنى أن التقنيات الرقمية والتحول الرقمي عاملان أساسين في تمكين هذا التغيير، واليوم تُستخدام تقنيات مثل الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء بوصفها محركات أساسية لإزالة الكربون، وأشارت بيانات منظمة الأمم المتحدة إلى أن 85٪ من إجمالي حجم الطاقة في عام 2050 ينبغي أن يتم توليدها من مصادر متجددة.
ونأمل من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP27)، المقرر عقده في مدينة شرم الشيخ المصرية من 7 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، التركيز على محاور اهتمام الدول النامية ومن ضمنها دول المنطقة العربية، فهم ليسوا من المتسببين في الظاهرة لكنهم يدفعون الثمن، فلا بد من دعم الدول المتضررة بشروط ميسرة لتحقيق “العدالة المناخية”، فبتدقيق النظر نجد على سبيل المثال إفريقيا لم يتم تعويضها أبدًا، لا عن سنوات الاستعمار ولا الحروب ولا سرقة الموارد.
إن رسم خارطة طريق أصبح حتميا “لإدارة النفايات الإلكترونية” لتقليل “بصمتنا الكربونية” و”لتخفيض الاحتباس الحراري” لكسر “منحنى الطاقة”، وهذا ما أكد عليه تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2021 بضرورة تضافر الجهود والعمل الجماعي، لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، لأن التعاون العالمي والتشبيك مع المؤسسات العاملة في مجال العلوم، واستخدام التكنولوجيا والابتكار مع اعتماد آلية التنمية النظيفة في جميع قطاعات المجتمع (القطاع الخاص – والجمعيات الأهلية – ونشاطات منظمات المجتمع المدني)، مع إقرار السياسات المناسبة هو حجر الأساس فلا يمكن لأحد بمفرده خوض المعركة ضد التغير المناخي.
وهناك محاولات لإتاحة تكنولوجيا جديدة بتطوير “حلول رقمية خضراء”، من شأنها أن تساعد العالم على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحويل القطاعات الاقتصادية الرئيسية رقميًا، إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في جعل شبكات النقل الكهربائية أكثر كفاءة، ويمكن أن تسمح تقنية بلوك تشين Blockchain للمواطنين المعنيين بتتبع انبعاثات الكربون للشركات، ويمكن زيادة تعزيز استخدام الأقمار الصناعية في مراقبة التغيرات البيئية، بما في ذلك أنشطة مثل قطع الأشجار غير القانوني والتعدين وإلقاء النفايات في البحر أو البر، وللهاتف المحمول إمكانيات جديدة لريادة مستقبل مستدام، مثال يوضح ذلك تطبيق “Plan A” الذى يستخدم البيانات العلمية لتحديد الأماكن بدقة والمشاكل التى تواجهها وسرعة التدخل والمعالجة، واتخاذ إجراءات ضد تغير المناخ، ويمكن للمستخدم الاستعانة بهذا التطبيق أو تطبيقات شبيهة للمساهمة في حماية البيئة ومواجهة التغيرات المناخية، والتي وصفت بأنها تُغير قواعد اللعبة المحتملة في المعركة ضد ارتفاع درجة حرارة الكواكب.
يقع على الإعلام حتما مسئولية عميقة، لأنه يعد شريكًا شرعيًا فى الطرح والمعالجة، من خلال دوره المحوري في التركيز على الأخبار المحلية وربطها بأزمات المناخ، والتركيز على الجماعات والفئات المهمشة، ووضع التغيرات المناخية من خلال الطرح في سياق اقتصادي، أو سياسي، أو أمني، أو حقوقي، مع ربط الظواهر المناخية المتطرفة بالتغيرات المناخية، ونشر الوعى وتوضيح المخاطر على المستقبل، ونشر الصور والبيانات والفيديوهات المعبرة والتوضيحية، التى تعطى مؤشرات وحقائق مع اقتراح الحلول.
خلاصة القول أننا نقف أما لحظة فارقة في تاريخ البشرية، فقد تسببت النشاطات البشرية لا محالة فى إحداث تغيرات مناخية سلبية تدفع ثمنها الدول الفقيرة، وأصبحنا فى حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات فورية وجذرية، وأساليب معالجة لمواجهة هذا التغير والتصدي له، وعلينا أن ندرك تمامًا أن التحديات البيئية وإدارة التكنولوجيا الرقمية ستحدد مسار الحياة على هذا الكوكب، وقد يحتاج الأمر ووضع تشريعات أقوى فى الفترة المقبلة، سيكون من الضروري للبلدان تسخير قوة التكنولوجيا الرقمية مع احترام حقوق مواطنيها في نفس الوقت.
روابط هامة: