كم من البشر اليوم يدركون أن حل أزماتهم التى يزدادُ أكثرها تعقيدًا يتطلبُ ترابطًا بين العلوم والفنون والآداب، وهل يمكنُ إعادة إنتاج التكامل الذى عُرف بين المعارف فى عصر النهضة بطريقةٍ جديدة، ومن ثم معالجة ظواهر تجعلُ عصرنا الراهن عنوانًا للتفاهة؟
أسئلة متضمنة فى ثنايا كتابٍ جديد صدر فى مايو الماضى عنوانه مُركب: (الترابط: تعزيز التفكير فى عالم مُعقد – الإدارة الرشيدة للفنون والتكنولوجيا والعلوم)، كتبه العالم والفنان خوليو أوتينو، ومُصمم الجرافيك المشهور بروس ماو.
أبلغنى الصديق د. جميل عزيز الأستاذ فى جامعة بافالو الأمريكية أن هذا الكتاب يتضمنُ رؤيةً أوسع مما كتبتُه فى الاجتهاد المنشور فى 11 يوليو الماضى (فضيلة غائبة)0
يشرح أوتينو وماو, فى كتابهما الذى لم أطلع عليه بعد، كيف أن الفنون والعلوم والتكنولوجيا كلها عناصر مرتبطة بمجمل ما يسميانه المشروع البشرى، ولكنها معزولةُ عن بعضها فى عصرنا، بخلاف ما كانت عليه فى عصر النهضة. ويقترحان تركيز جهود من يدركون أهمية هذا الترابط من أجل تحقيقه أيًا تكونُ اهتماماتهم، ولكن بطريقةٍ مختلفةٍ عما كان فى ذلك العصر الذى تستحيل إعادةُ إنتاجه، إذ يتعذرُ الآن وجود أمثال دافنشى ومايكل أنجلو وغيرهما ممن كانوا فنانين شاملين وأدباء ودارسين فى الوقت نفسه للعلوم التى كانت موجودة فى ذلك العصر.
والترابط بين المعارف يتطلب، عند مؤلفى الكتاب، تفكيرًا جديدًا بشكل جذرى يجمع بين الفنون والعلوم والتكنولوجيا، الأمر الذى يعتقدان أنه يساعد فى إدارة التعقيدات التى تتسم بها قضايا عصرنا. وهما يقترحان دليلاً للإبحار فى هذا الاتجاه، يبدأ بفهم كيف أخذ الترابط المعرفى فى التراجع منذ القرن الثامن عشر إلى القرن الماضى الذى شهد تجلياتٍ قليلةً له، مثل مدرسة باوهاوس Bauhaus التى سعت إلى الدمج بين الحرفة وفنونٍ متعددة ومعامل بل التى تعمل فى أبحاث متعددة المجالات. ولكننا لا نجدُ الآن أثرًا لهذا الترابط الذى يرى المؤلفان أن استعادته ضرورية وممكنة أيضًا, وأنه فى نظرهما السبيلُ الوحيد إلى إنهاء مسارٍ عكسي أخذ التاريخ الحديث الذى بدأ بنهضة كبيرة نحو عصر التفاهة الراهن.