نقلاً عن العدد الثالث من دورية أفاق إجتماعية
يبدو التفاعل بين الأجيال الأقدم والأحدث أكثر صعوبة الآن من أى وقت مضى فى العالم كله، وإن بدرجات متفاوتة. وهذا طبيعى فى ضوء التحولات التكنولوجية الكبيرة والسريعة وأثرها فى طرق التفكير وأنماط الحياة. ويبلغ التفاعل الإيجابى أحد أدنى مستوياته فى المجتمعات العربية، إذ لا تُبدى قطاعات يُعتد بها من الأجيال الأقدم استعدادًا لفهم كيفية تفكير فئات متزايدة من الأجيال الأحدث.
وينطبق هذا بصفة خاصة على الجيلين اللذين يُطلق عليهما رمزيًا جيل “Z”، المولود أبنائه بين منتصف التسعينات وآخر العقد الأول فى القرن الحالى، وجيل Alpha الذى يشمل من وُلدوا منذ أوائل عقده الثانى. وهؤلاء هم من فتحوا أعينهم على شاشات الهواتف الذكية، وعرفوا التكنولوجيا الجديدة قبل أن يتعلموا القراءة، الأمر الذى يجعلهما مختلفين عن الأجيال السابقة، وإن ربطتهما فى الوقت نفسه بعض القواسم المشتركة مع جيل Y الذى يسبقهما.
أولاً: تحرير المصطلحات وتحديد الموضوع:
يوجد شئ من الالتباس بشأن بعض المفاهيم المتعلقة بالأجيال الأحدث، كما هو الحال فى غير قليل من المفاهيم الاجتماعية، إذ يصعب الاتفاق على كل جوانبها. وأكثر ما لا يوجد اتفاق كامل عليه هو تحديد المساحة الزمنية للجيل، أى عدد السنوات بين بدايته ونهايته. ويعود إلى كارل مانهايم الفضل الأول فى إخضاع هذا الموضوع للبحث العلمى الاجتماعى، فى دراسته المشهورة (مشكلة الأجيال). وكان تصوره أن الجيل يضم مجموعة من الأفراد ذوى أعمار متقاربة فى فترة يقع بها حدث تاريخى جدير بالملاحظة، أو تغير اجتماعى كبير. ويُستفاد من تعريفه هذا أن المعاصرة الزمنية لا تكفى لخلق مشتركات تتيح الحديث عن جيل ذى سمات معينة. وكان هو أول من لاحظ وجود فجوات بين الأجيال، وسعى إلى دراستها، وربطها بالثقافة والقيم والوعى وطريقة التفكير ونوع الاهتمامات، وأساليب التعبير عن هذا كله(1).
غير أن الاتجاه العام فى تعريف الجيل الآن يركز على المعاصرة الزمنية، أى الأفراد الذين يولدون فى مساحة زمنية معينة بغض النظر عن وقوع حدث تاريخى أو تغير اجتماعى كبير. غير أن ثمة تباينات بشأن كيفية تحديد المساحة الزمنية لكل جيل، إذ يعتقد بعض الدارسين أنها فى حدود 15 عامًا، فيما يذهب آخرون إلى أنها تصل إلى 20 سنة. وهذا الفرق، على أية حال، ليس كبيرًا، ولعله أيضًا طبيعى بسبب صعوبة الاتفاق على على السنة المُحدَّدة التى يبدأ وينتهى عندها كل جيل.
وينطبق هذا على جيل Z، الذى يقع زمنيًا بين جيلين تجمعه قواسم مشتركة معهما، وتفصله فى الوقت نفسه اختلافات مع كل منهما، وهما جيل Y الذى يسبقه، وجيل Alpha الذى يليه.
وأهم ما يجمع الأجيال الثلاثة أنها نشأت فى الزمن الرقمى، الذى تُعد شبكة الإنترنت أهم معالمه وأكثرها تأثيرًا. وُلد أبناء الجيل Y بين مطلع ثمانينات القرن الماضى ومنتصف تسعيناته، وهو بالتالى أول جيل نشأ فى العصر الرقمى. ويليه الجيل Z المولود أبنائه بين منتصف التسعينات وآخر العقد الأول فى القرن الحالى، إذا حسبنا المتوسط العام للتقديرات المتعددة بشأن المساحة الزمنية لكل منهما. ويشمل جيل Alpha، بالتالى، من وُلدوا، ويولدون، منذ مطلع العقد الثانى فى هذا القرن.
وتُعنى دراسة العلاقة بين الأجيال فى الأغلب الأعم بالجيل الأحدث وطريقة تفاعله مع الأجيال الأقدم، كما بأسلوب تعامل هذه الأجيال معه. لكن جيل Alpha، الذى يُعد الأحدث زمنيًا حتى الآن لم تكتمل بعد مساحته الزمنية التى ستمتد إلى ما بين عامى 2025 و2030، بما يعنى أن أبنائه مازالوا فى مرحلة الطفولة، إذ لا يتجاوز عمر أكبرهم 12 عامًا الآن، الأمر الذى لا يتيح مجالاً كافيًا لمتابعة وتحليل أنماط الحياة وأنساق القيم والثقافة المجتمعية فى أوساطه.
ويختلف الأمر بالنسبة إلى الجيل Z، الذى تتراوح أعمار أبنائه الآن بين 13 و28 عامًا، أى أنه الجيل الذى يعتبر بمثابة القلب لمرحلة الشباب فى عالم اليوم.
ثانيًا: السمات الأساسية للجيل Z:
أهم ما يتسم به هذا الجيل أنه نشأ خلال فترة توسع رقمى سريع، ليس على مستوى ازدياد الإقبال على شبكة الإنترنت، والتنامى غير المسبوق فى معدلات استخدامها فقط، ولكن أيضًا على مستوى التطور السريع للغاية فى التكنولوجيا التى تعتمد عليها. ويتميز هذا الجيل، بالتالى، بأن لدى الكثير من أبنائه قدرة كبيرة على التواصل الرقمى، والوصول السهل والسريع إلى المعلومات والبيانات سواء صحيحة أو خاطئة. لكن هذا التحول باتجاه الرقمنة ليس المؤثر الوحيد فى تكوين الجيل Z، وتشكيل نظرته إلى الحياة والمجتمع والعالم والكون، وخاصة فى وجود شواهد تُفيد أن أبنائه أكثر اهتمامًا بالتواصل الواقعى، وليس الافتراضى فقط، من الجيل الذى سبقه، برغم أنه الأول الذى نشأ فى ظل الثورة الرقمية وانغمس فيها بقوة، ولكن بدرجة أقل من الجيل الذى يليه ولم تكتمل مساحته الزمنية بعد.
لقد نشأ الجيل Z فى زمن توحش الرأسمالية العالمية فى ظل أفكار الليبرالية الجديدة(2)، التى تنامى نفوذ مُنظَّريها والمؤمنين بها منذ ثمانينات القرن الماضى فى المؤسسات المالية الدولية، ومراكز صنع القرار فى كثير من دول العالم، وكذلك فى غير قليل من الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية وغيرها. وما أن شب أبناء الجيل Z عن الطوق حتى كان التحول فى النظام الرأسمالى باتجاه الرأسمالية المالية قد اكتمل، وصارت المصارف والبورصات والمؤسسات المالية هى العصب الأساسى للاقتصاد، وأصبح كل ما فى معظم المتجمعات محكومًا بحركة أسواق منفلتة لا ترحم.
وبرغم أن الأكبر عمرًا بين أبناء هذا الجيل لم يكن وعيهم تشكل تمامًا عندما ضربت الأزمة المالية-الاقتصادية الكبرى العالم عام 2008، فقد شعر كثير منهم بآثارها التى امتدت لعدة سنوات فى دول أوروبية وغيرها، كما فى الولايات المتحدة حيث بدأت نتيجة تفاقم أزمة الرهن العقارى، وإفلاس بعض المصارف الكبرى.
ولهذا أصبح لزامًا على أبناء الجيل Z التكيف بأية طريقة إيجابية أو سلبية، مشروعة أو غير مشروعة، مع متغيرات اقتصادية واجتماعية صعبة وقاسية. ومن الطبيعى أن تظهر فى سياق محاولات التكيف الصعب هذه سلوكيات وأنماط حياة وأنساق قيم غير مألوفة بالنسبة إلى الأجيال الأقدم، وخصوصًا ذوى النزعة المحافظة فى هذه الأجيال.
ثالثًا: طبيعة الفجوة بين الجيل Z والأجيال الأقدم:
ليس صعبًا تبين أن هناك فجوة تفصل بين الجيل الأحدث موضوع هذه المقالة، والأجيال الأقدم، ربما باستثناء الجيل Y الذى يسبقه، وتوجد مشتركات بين الأصغر عمرًا فيه وأبناء الجيل Z. فتحديد مساحة زمنية لكل جيل لا يحول دون تداخل بين بعض أبناء جيلين متواليين، وخاصة الأصغر فى الجيل السابق، والأكبر فى الجيل اللاحق.
ويُقصد بالفجوة، هنا، نظرة سلبية متبادلة قد تعود إلى سوء فهم، أو عدم استعداد للتفهم. لكن هذه الفجوة ليست شاملة، أو جامعة مانعة، لأن فى الأجيال الأقدم من يفهمون، أو يحاولون فهم، اختلاف الجيل الأحدث عنهم. كما أن فى هذا الجيل من لا يشعرون بأن الأجيال الأقدم هى قديمة إلى حد يتعذر معه فهم طريقتها فى الحياة.
فلا الجيل Z، ولا الأجيال الأقدم، كتلة مصمته. نجد فى هذه، وذاك، تنوع وتباين هو من طبائع الأمور، أو من سُنن الحياة. وهذه سمة عامة فى الأجيال بوجه عام منذ أن بُدئ فى دراستها، إذ وُجد أن أبناء الجيل يختلفون حسب مواقعهم فى المجتمع وخلفياتهم وثقافاتهم، وبالتالى ينظرون إلى الأحداث من زوايا مختلفة(3).
فأما التباين فى أوساط الأجيال الأقدم فهو يتركز فى موقع كل من أبنائها على المتواصل Continuum الذى تُمثل النزعة المحافظة Conservationism أحد طرفيه، فيما توجد النزعة التحررية Libertarianism فى طرفه الآخر. فكلما ازدادت النزعة المحافظة، قل الاستعداد لفهم الجيل الأحدث، وشاعت النظرة إليه بوصفه غريبًا أو غير سوى، وتوسعت بالتالى الفجوة. والعكس، إذ يزداد الاستعداد لفهم الجيل الأحدث، ومحاولة استيعاب اختلافه، كلما ازدادت النزعة التحررية.
وأما التباين فى أوساط الجيل Z فهو أوسع نطاقًا، لأنه يرتبط بمحددات متعددة أهمها مستوى التعليم ونوعه، والقدرات والمهارات الشخصية، إلى جانب المستوى الاقتصادى والاجتماعى أو الموقع فى البناء الطبقى للمجتمع، ثم تأتى الاختلافات الإثنية Ethnic الدينية والمذهبية والعرقية واللغوية وغيرها فى مرتبة أقل من حيث أهميتها0 ولا ننسى أثر الفروق بين من يعيشون فى الدول الأكثر تقدمًا، وربما أيضًا بعض الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، ويحصلون بالتالى على فرص لا يُتاح مثلها فى دول أقل تقدمًا.
ويؤدى تباين مستويات التعليم وطبيعة المهارات إلى اختلافات كبيرة فى اهتمامات أبناء جيل Z، ومن ثم فى أنماط حياتهم واتجاهاتهم السلوكية وأنساقهم القيمية. الحاصلون على فرص أفضل فى التعليم منغمسون إما فى إكمال دراستهم وتنمية مهاراتهم، أو فى البحث عن عمل يتطلعون لأن يكون لائقًا بما لديهم من إمكانات، أو منشغلون فى وظائف التحقوا بها أو أعمال يؤدونها كل بطريقته، الأمر الذى يجعلهم أكثر ميلاً إلى التواصل الواقعى، وليس الرقمى فقط. ومما يميزهم أيضًا اهتمامهم بالعمل التطوعى والمبادرات الاجتماعية فى مجالات مختلفة(4).
كما يثير الأكثر تميزًا بينهم إعجاب الأجيال الأقدم، خاصةً أولئك الذين يحققون نجاحات فى مجالات الابتكار وريادة الأعمال اعتمادًا على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أو التحويل الرقمى لأنشطة اقتصادية متنوعة، نتيجة براعتهم فى استخدام الإنترنت منذ الصغر(5).
ولا ننسى، هنا، أن بداية دخول هذا الجيل إلى سوق العمل قريبة، لأن أغلبهم أنهوا تعليمهم الجامعى بين عامى 2017 و2019. ولهذا يُعد من حققوا نجاحًا بينهم بالغى التميز، لأنهم بدأوا العمل فى فترة بالغة الصعوبة فرضت فيها جائحة كوفيد-19 إغلاق الاقتصاد بدرجات متفاوتة فى كل بلدان العالم تقريبًا. وحدث ذلك، وهم فى بداية حياتهم العملية.
أما الأقل تعليمًا ومهارة، ومن لم يكملوا تعليمهم، فهم على العكس يمضون جزءًا كبيرًا من وقتهم إما مستغرقين فى اتصالات وتفاعلات غير مفيدة عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو فى النوادى أو المقاهى حسب المستوى الاجتماعى لكل منهم، أو باحثين عما يملأ فراغًا يدفع بعضهم إلى أنماط حياة وسلوكيات غير مألوفة، وتبدو غريبة بالنسبة إلى الأجيال الأقدم، ومستهجنة لدى ذوى النزعة المحافظة فى هذه الأجيال، وربما صادمة لبعضهم.
ويسلك الأقل تعليمًا ومهارة من أبناء الجيل Z هذا المسلك لأسباب منها على سبيل المثال الشعور بأنهم مختلفون تعويضًا عن عدم تميزهم، أو سعيًا إلى مقاومة إحباطات، أو نتيجة شعور بالاغتراب. ويُعد هذا المسلك أهم عوامل الفجوة التى تفصل الجيل z عن القطاعات الأكثر محافظة فى الأجيال الأقدم.
رابعًا: هل يمكن تجسير الفجوة الجيلية؟
الفجوات الجيلية معروفة منذ أن بُدئ فى دراسة العلاقة بين الأجيال كما تقدم. لكن هذه الفجوة ازدادت، وتوسعت، تدريجيًا منذ منتصف القرن الماضى، وبلغت مستويات مرتفعة أكثر منذ الجيل Y، وصولاً إلى ذروة جديدة فى زمن الجيل Z.
ويزداد الشعور بالفجوة بين هذا الجيل والأجيال السابقة فى أوساط أصحاب النزعة الأكثر محافظة فى هذه الأجيال كما تقدم. ولكن لا توجد إحصاءات عن نسبة هؤلاء فى كل مجتمع، وإن كان القدر المُتيقن هو أن نسبتهم تزداد فى المجتمعات الأكثر محافظة، والتى توجد دلائل على أن أكثرها توجد فى البلدان الشرقية، أو فلنقل معظم هذه البلدان. وبرغم أن نسبتهم تقل فى البلدان الغربية، إلا أنها تتفاوت من مجتمع إلى آخر فى هذه البلدان، مع ملاحظة أن النزعة المحافظة ازدادت فى كثير منها أيضًا فى العقدين الأخيرين.
وإذا صح أن توسع الفجوة بين الجيل Z والأجيال الأقدم يعود إلى أن هذا الجيل أكثر اختلافًا، إلى جانب ازدياد النزعة المحافظة فى أوساط تلك الأجيال حتى فى البلدان الغربية، يكون الاستنتاج الأولى هو أن التباعد بين الأجيال سيزداد أكثر كلما مضى الزمن. ولنا فى هذه الحالة أن نتصور المدى الذى ستبلغه هذه الفجوة خلال سنوات، وليس عقودًا، فى ظل الثورة الرقمية الجديدة التى استُعير تعبير ميتافيرس ليكون اسمًا لها، مع ملاحظة أنها تتطور بسرعة بالغة، وتأخذ معها أعدادًا متزايدة من الأجيال الأحدث إلى نمط حياة جديد تمامًا يقوم على امتزاج غير مسبوق بين الافتراضى الذى يكتسب مضامين وأشكالاً متجددة طول الوقت، والواقعى الذى يُدمج فى عوالم افتراضية.
ولهذا يكتسب السؤال عن إمكان تجسير الفجوة بين الأجيال المقبلة، وليس الجيل Z فقط، والأجيال الأقدم أهمية أكبر وإلحاحًا غير مسبوق، فيما يصوغه البعض بطريقة تنطوى على حكم بأن هذا التجسير بعيد المنال، عندما يسألون عما إذا كانت ثمة فرصة باقية لوضع حد لتوسع الفجوة الجيلية.
ومع ذلك، يظل هناك من يحتفظون بشئ من التفاؤل، أو قل الأمل، ويقدم بعضهم أفكارًا أو تصورات لما يمكن فعله لتجسير الفجوة، أو على الأقل الحد من توسعها. ولكن الكثير من هذه الأفكار أو التصورات هو أقرب إلى نصائح أو إرشادات، وأحيانًا مواعظ. وهى فى معظمها موجهة إلى الأجيال الأقدم انطلاقًا من افتراض أن الأكبر يستطيع استيعاب أخطار توسع الفجوة الجيلية أكثر من الأصغر. ويمكن تصنيف هذه النصائح أو الإرشادات فى مجموعتين.
المجموعة الأولى تتضمن ما يدخل فى إطار التنبيه إلى ما قد لا يكون مُنتبهًا إليه، مثل أن اختلاف الأجيال الأحدث أمر طبيعى ليس مقصورًا على المرحلة الراهنة، وأن الأجيال الأقدم كان كل منها مختلفًا فى بعض الجوانب عن الأسبق منها، حتى قبل الثورة الرقمية التى أدت إلى ازدياد الاختلاف. وواضح أن الهدف مما يُطرح ضمن هذه المجموعة هو حث الأجيال الأقدم على سماع أبنائهم وأحفادهم والإنصات إليهم، والسعى إلى فهمهم.
وترتبط التصورات المتضمنة فى المجموعة الثانية بالفجوة الجيلية فى مجال العمل، أى فى الشركات والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة التى يعمل فيها عادةً عاملون من أجيال متعددة حديثة وقديمة، مع اهتمام خاص بكيفية التعامل مع الجيل Z الذى يمثل أبناؤه أصغر هؤلاء العاملين عمرًا. ومنها ماهو موجه إلى مسئولى الموارد البشرية فى الشركات والمؤسسات المختلفة(6), مثل التنبيه إلى أن أبناء هذا الجيل أكثر اهتمامًا بالتواصل الواقعى وأقل انغماسًا فى هواتفهم المحمولة من الجيل Y، وأنهم يفضلون الوجود فى بيئة متنوعة، وبالتالى فى شركات لديها قدرة على الاستفادة من الاختلاف بين موظفيها، وأن الكثير منهم يُقدرون المسئولية الاجتماعية والمبادرات التطوعية، وأن مواهبهم تظهر أكثر فى الشركات التى تهتم بذلك. غير أن الفجوة الجيلية أكثر تعقيدًا من أن يمكن التعامل معها بمثل هذه النصائح، التى لا تخلو من فائدة هنا أو هناك، وبقدر أو بآخر.
ولكن إذا كان لنا أن نفكر بطريقة مختلفة ونحاول التحرر من التشاؤم الغالب بشأن مستقبل الفجوة الجيلية، فليكن عنصر الزمن مدخلنا إلى هذا التفكير، بحيث نكف عن النظر إليه باعتباره ذا بُعد واحد. فإذا كان الغالب فى حركة الزمن الرقمى اليوم هو توسع الفجوة الجيلية بفعل القفزات التكنولوجية الكبيرة والسريعة، فالأرجح أن هذا التوسع سيصل إلى سقف قد لا يبقى بعده مزيد، وعندئذ تتوافر ظروف ملائمة لتفاعلات مختلفة عما هو سائد الآن، على نحو يؤدى إلى تقلص الفجوة. كما أن الأجيال الأقدم (من الأجيال Alpha, Z, Y) سيقل عدد المنتمين إليها مع الزمن، فيما ستصبح الأجيال الأحدث الآن هى الأقدم، بدءًا بالجيل Y، فى فترة قد لا تزيد عن عقد واحد بكثير. وقد دخل الأكبر سنًا فى هذا الجيل بالفعل العقد الخامس فى أعمارهم، لأن أقدمهم وُلدوا فى مطلع الثمانينات. وعندما نصل إلى مرحلة يكون أغلب البشر فيها عرفوا الثورة الرقمية فى وقت مبكر من حياتهم، أو وُلدوا فى ظلها، ستكون فرصة تضييق الفجوة الجيلية أكبر مما يبدو لنا الآن.
هوامش
1- يمكن الرجوع إلى دراسة مانهايم الرائدة فى:
Karl Manhiem, The Problem of Generations. In: Paul Kecskemti, Essays in Sociology of Knowledge, New York: Routledge and Kegan Paul, 1952, pp. 276, 322.
وقد نُشرت دراسة مانهايم فى الأصل بالألمانية عام 1923.
2- ارتبطت نشأة الليبرالية الجديدة، وتطورها بأعمال ميلتون فريدمان منذ ستينات القرن الماضى، وزملائه بعد ذلك، وبدأ تأثيرها يظهر ويزداد بسرعة منذ مطلع الثمانينات، عندما تبنت حكومة مارجريت تاتشر فى بريطانيا وإدارة رونالد ريجان فى الولايات المتحدة أفكاره، التى طورها تلاميذه. وكان كتاب الرأسمالية والحرية الصادر عام 1962 بمثابة حجر الأساس فى مشروع الليبرالية الجديدة، انظر:
Milton Friedman, Capitalism and Freedom, Chicago: Chicago University Press, 1962.
وقد تُرجم إلى العربية عدة مرات، انظر مثلاً:
ميلتون فريدمان، الرأسمالية والحرية، ترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة، مراجعة حسين التلاوى، القاهرة: مؤسسة هنداوى للنشر، 2011.
3- Karl Manhiem, op.cit.
4- Gen Z, Millennials Stand Out for Climate Change Activism, Social Media Engagement with Issues, www.Pewresearch.org,26/5/2021.
5- انظر على سبيل المثال تقريرًا يعتمد على مزيج من المعلومات الميدانية والتحليل:
What We Know About Gen Z So Far, www.Pewresearch.org, 14/5/2020.
6- Haneen Ibrahim, Gen Z Trains You Need to Know as an HR, Blog. Zenhr.com, 20/6/2020.
وتعود أهمية هذا “البوست” إلى أنه كُتب فى بداية تفشى فيروس كوفيد-19، حيث كانت التفاعلات الاجتماعية المترتبة عليه فى مهدها. ومع ذلك أظهرت هذه التفاعلات صواب ما ورد فيه عن أن أبناء الجيل Z يُقدَّرون المسئولية الاجتماعية والمبادرات التطوعية، حيث شارك كثير منهم فى الأنشطة التى استهدفت مساعدة المصابين بالفيروس، وتيسير الحياة فى فترات الإغلاق الكامل.