أكد مدير مركز لندن للاستشارات الاجتماعية الأستاذ الدكتور ناصر الفضلي أن المجتمعات العربية تواجه مشكلات فكرية وارث من التأخر الاجتماعي، لا حل له الا عبر اهتمام الدول بمختلف مؤسساتها وعلمائها وأفرداها البحث العلمي الحقيقي، مناشدا القادة العرب الاهتمام بالبحث العلمي ودعم الباحثين العرب وتشجيعهم لأنهم مسئولون عن مستقبل هذه الأمة التي تراجعت كثيرا بسبب إهمال البحث العلمي. وقال: أن البحث العلمي يعد ركيزة للمجتمعات الناهضة التي تسعى للتميز والتنمية المستدامة، مشيرا إلى انه انطلاقا من هذه المفاهيم ينظم مركـــــــز البحوث والاستشـــــــارات الاجتماعية لندن مؤتمره الدولي الرابع للبحــــث العلمي حول مجالات العلوم المختلفة في قطر منتصف مارس المقبل. وأضاف الفضلي في تصريحات لـ «الوسط»: إن تنظيم هذا المؤتمر يأتي بمشاركة وتعاون مركز الاحتواء الاجتماعي للاستشارات والبحوث بدولة قطر ممثلا برئيس مجلس الإدارة الشيخ سعود بن محمد بن علي آل ثاني والمدير العام للمركز الأستاذة فوزية أشكناني، ونائب الرئيس د علا الزيات، والشكر موصول للدكتورة نبهة طربوش دينامو المؤتمرات ورئيس لجنة تحكيم الأبحاث أ. د احمد البراح، ورئيس الرابطة د عبد الله الجميل، وشركة كتارا المستضيفة، فجميع هؤلاء من أصحاب الفضل على البحث العلمي في العالم العربي.
وحول أهداف المؤتمر الرابع المزمع إقامته في الدوحة منتصف مارس المقبل قال الفضلي: تنحصر الأهداف في ضرورة تعزيز دور البحث العلمي وإتاحة الفرصة للباحثين من مختلف الدول بتقديم أبحاثهم بمختلف العلوم لتعزيز العلاقة بين البحث العلمي والواقع، وذالك انطلاقا من النجاحات المميزة التي حققتها مؤتمراتنا السابقة وبفضل من الله ثم جهود جميع المشاركين من الباحثين والعاملين في المركز. وتابع : من ابرز أهدافنا أيضا : إتاحة الفرصة للباحثين من مختلف دول العالم للتواصل فيما بينهم لطرح أبحاثهم لتعزيز العلاقة بين البحث العلمي والواقع. تبادل الأفكار والخبرات للتوصل إلى تأسيس شراكة فكرية فعالة تعمل على توحيد الأهداف وتحقيقها في مجالات البحث العلمي لخدمة الطالب والباحث. تفعيل الدور المشترك للدراسات العليا التي تخدم البحث العلمي.
تحديد مجالات البحث العلمي الأكثر أهمية لسد الفجوة الرقمية الهائلة التي تفصلنا عن الدول المتقدمة. طرح برامج علمية ومقررات دراسية قادرة على المنافسة عالميا. والإسهام في وضع إطار عام لخطط إستراتيجية منهجية للبحث العلمي على مستوى الجامعات العربية والعالمية.
موضوعات المؤتمر
وحول القضايا البحثية التي سيعالجها المؤتمر قال : إدارة المؤتمر تتخير الموضوعات ذات الصلة بجميع مجالات العلوم وهناك ثلاثة مسارات للبحوث المقدمة: الدراسات الإسلامية والقانونية، الدراسات ألإنسانية التاريخ – علم الاجتماع – اللسانيات – اللغات – الأدب- غير ذلك من موضوعات العلوم الإنسانية. العلوم الاجتماعية : التربية – التعليم – والخدمة الاجتماعية – علم النفس – الدراسات الإعلامية – الاقتصاد – العلوم السياسية – الإدارة – الصحة – البيئة وغيرها.
مؤتمر الكويت
وعن الخبرات السابقة، لاسيما في مؤتمر الكويت العام الماضي، أوضح الفضلي أن مؤتمر البحث العلمي ركيزة لحل المشكلات الذي أقيم في معهد الكويت للأبحاث العلمية قبل عام تقريبا، سعى إلى تفعيل دور الدراسات العليا والابحاث العلمية من قبل الجهات المعنية في الدول العربية، وأكد أن الباحثين العرب بخير لكنهم يحتاجون إلى من يدعمهم ويأخذ بأيديهم. ولفت إلى ان المؤتمر الثالث شهد حضور شخصيات كبيرة على رأسها الشيخة ميسون القاسمي رئيس مجلس ادارة المركز والشيخة شيخة ال ثان من قطر والشيخة فوزية اشكناني ورئيس الهيئة الخيرية العالمية الاسلامية بالكويت د عبد الله المعتوق، ورئيس معهد الكويت للأبحاث العلمية د ناجي المطيري حضر منوبا عن راعي المؤتمر وزير التربية والتعليم العالي في الكويت احمد المليفي، كما شارك في حفل الافتتاح ممثلين عن جميع الدول العربية، ومنهم منتدى الفكر العربي الذي سعى الى الشراكة الفكرية، كما جاء مندوبا عن شيخ الازهر من مصر ومندوبين عن جامعات من الجزائر وغيرها من الدول العربية، ومسؤولين من الكويت.
أهم التوصيات
وعن أهم التوصيات التي خرجت عن المؤتمر اوضح الفضلي انها تمحورت حول ضرورة توظيف الأبحاث لخدمة، مع اهمية دورية اللقاءات لتبادل الافكار والخبرات لعمل مشترك يسهم في ادراك النجاح للوصول الى شعار المؤتمر أن البحث العلمي ركيزة لحل المشكلات.
وحول مدى مصداقية شعار المؤتمر قال الفضلي: المشكلات جزء من ثقافة البشر، وهي تظهر في كل عمل وفي كل مكان ومجال، ودور الإنسان محاولة مقاومتها وعدم الاستسلام لها.
وقال: ويأتي البحث العلمي على رأس أساليب واليات هذه المقاومة لما له من نظرة خاصة للتعامل مع المشكلات، من هنا يعد بالفعل ركيزة أساسية لحل المشكلات.
لكن تبقى الإشكالية في أن الشعوب العربية في معظمها لا تقدر البحث العلمي ولا تفهم مراميه ومضامينه وتعتبره حشو وهذه كارثة مردها إلى سوء التعليم منذ الصغر.
تخلف اجتماعي
وأضاف الفضلي: المجتمعات العربية تواجه مشكلات فكرية وارث من التخلف الاجتماعي لا حل له إلا لدى البحث العلمي الحقيقي، من هنا ناشدت الحكام والقادة العرب الاهتمام بالبحث العلمي ودعم الباحثين العرب وتشجيعهم لأنهم مسئولون عن مستقبل هذه الأمة التي تراجعت كثيرا بسبب إهمال البحث العلمي.
وتابع: إن المجتمعات الغربية تقدمت بعد أن نقلت أبحاث علماؤنا واهتمت بها ورعتها وطبقتها، في وقت لم نرعها نحن اهتماما، والشعوب الآن أصبحت بصرية تعتمد على الرؤية أكثر من السمع، لذلك وجب على الباحثين أيضا الإقلال من الكلام والتركيز على الصورة، ووعي العالم الغربي ذلك أيضا، فأفضل الباحثين لا يستغرقون سوي دقائق قليلة في عرض أبحاثهم حتى لا يمل الناس من السمع. البحث العلمي في الغرب يعتمد على آليات التطبيق الفعلية من خلال جهات حاضنة ورعاية حكومية، أما البحث العلمي لدى العرب فلها رفوف يركن عليها لأننا خير من يصنع الرفوف.
النهوض بالبحث العلمي
وبخصوص كيفية النهوض بالبحث العلمي أكد الفضلي أننا نحتاج إخلاص الباحثين وحبهم لعملهم والدعم المعنوي لهم من قبل المسئولين وإقبال الجهات العلمية على الأبحاث ومشاركة الباحثين في مؤتمرات دولية حاضنة لمختلف الأفكار والجنسيات والدرجات العلمية.
ولفت إلى ضرورة زيادة النسبة المخصصة من ميزانية الدول العربية لدعم البحث العلمي، فعلى سبيل المثال لا تزال المملكة العربية السعودية تدعم البحث العلمي بما هو نسبته 4 بالمئة من الناتج القومي لها وكذلك قطر، ومصر رغم ريادتها لا زالت نسبتها 1. 5 بالمئة، أما الكويت ودول عربية أخرى فتعيش تراجعا كبيرا في ذلك الأمر. العقول العربية رائدة ومتميزة لكن تحتاج الدعم الرعاية والاحتضان الرسمي لها.
مجهول الأبويين
وعن أفضل الأبحاث التي قدمت في المؤتمر الثالث قال الفضلي : ناقش المؤتمر 121 بحثا، جميعهم يتمتعون بمستوى علمي وفني جيد، لكن جذبني بحث الدكتور عبد الله الجميل من المملكة العربية السعودية حول «مجهول الأبوين» وعمل للدكتورة مها اليماني من سلطنة عمان بعنوان «منهجية البحث»، ولا يمكن إغفال أحد أفضل الأبحاث على الإطلاق وهو للجزائري الدكتور عادل شهير حول «الدعارة» وقد قام بالقياس على مدينته في الجزائر ولديه جرأة في الطرح تؤدي إلى وضع حلول عاجلة للمشكلة التي طرحها، ولو أني املك جائزة لأفضل بحث ما كنت قد ترددت في منحها للدكتور شهير.
المعاهد البحثية
واعرب الفضلي عن استيائه من عدم قيام كثير من المعاهد البحثية في الدول العربية بدورها الحقيقي نحو نشر البحث العلمي رغم عمرها العتيق، فقد جبت كل جامعات أوربا فلم أجد بحثا واحدا أرسلته جهة بحثية عربية للأسف، ونحن مركز فقير عمره 4 سنوات فقط أصبح له عشرات الأبحاث في عدة جامعات عالمية، ولدينا رابطة تتكون من 400 بروفيسور من مختلف جامعات العالم العربي والإسلامي ولجان تحكيم محايدة تخدم البحث العلمي، ويعمل الجميع من دون انتظار اي مقابل مالي، فقط خدمة للهدف النبيل ونشر البحث العلمي.
حتى أن جامعات عالمية أصبحت تراسل المركز طلبا للأبحاث وطمعا في لقاء الباحثين، وأحيانا تواجهنا عقبات رفض الجامعات العربية خروج الباحثين بدافع أن الطلبة الدارسين أولى بتسليط الضوء عليهم، وهذا خلل كبير نسعى للتغلب عليه.
إهمال البحث العلمي
وأعرب الفضلي عن استيائه من اهمال الدول للبحث العلمي، لافتا الى انه لا يعلم ان كان اهمال البحث العلمي اجندة مفروضة علينا فنتفهم ذلك، فنريح ونستريح ولا نعقد مؤتمرات ولا غيره حتى تعود لنا حريتنا، أما غير ذلك.
وخاطب الحكام والقادة العرب قائلا: أفيدونا عن ذلك يرحمكم الله، فاذا كان الامر أجندة مفروضة علينا فهي كارثة وان كان غير ذلك فالمصيبة اكبر.
وتابع رسالته للرؤساء العرب أن هذه افكارنا وابحاثنا تقبلوها واحترموها ونفذوها لنا.
وضرب مثالا في بريطانيا، حيث تتساءل الملكة اليزابيث كم مؤتمر سنويا يعقد في بريطانيا فإذا عرفت ان هذا العام عقد 50 مؤتمرا وما بعده 40 فتلك مصيبة تستشعر معها الخطر وتستنفر كل القوى لبحث اسباب ذلك التراجع وتصححه. وأعرب الفضلي عن سعادته من النهضة البحثية في قطر، مشيرا الى انها تعد الرائدة خليجيا في مجال البحث العلمي، حيث تحتل الترتيب الثاني عشر عالميا في الاهتمام بالبحث العلمي وهذا يدل على وعي القيادة بأهمية العلم في نهضة الأمم، وتأتي الإمارات في الترتيب الثاني خليجيا حيث تعقد 28 مؤتمرا يخص البحث العلمي سنويا، لكن لا يلقي الضوء اعلاميا سوى على 3 مؤتمرات فقط وهذا يعد خللا اعلاميا.
واثنى على احتضان الكويت لفعاليات المؤتمر الدولي الثالث للمركز، مشيرا الى ان الشعب الكويتي على درجة عالية من الوعي والادراك والثقافة، ولديه قبول للبحث العلمي لكنه يحتاج إلى من ينصت إليه. وقال: غايتنا كانت جمع الأبحاث والعمل على نشرها بعد تحكيمها في جامعات عالمية لكونها تخدم تلك الابحاث وتسعى لتطبيقها عمليا، وكان اتجاهنا للغرب بعد ان سئمنا من اهمال جامعاتنا العربية للأبحاث وعدم احترامها بل ربما لا تراها اصلا.
مؤتمرا لندن ودبي
وحول المؤتمرين الأوليين قال الفضلي: نجحنا في المؤتمر الأول الذي اقيم في لندن وقدمنا أبحاثا إلى كثير من الجامعات من دون اي مقابل مادي فنحن نسعى الى الشراكة الفكرية ونشر البحث العملي وليس لنا أي هدف مادي جراء ذلك، فغايتنا وصول العلم الى أماكنه الصحيحة.