أيام وسنون تنقضي ، كل يوم يمر يأخذ معه بعضاً منا ، ساعة تلو ساعة في مشهد لا يتوقف أبدا إلى قيام الساعة ، هذا التسارع العجيب يؤكد أن الزمن هو أسرع آلات الدنيا منذ بدء الخلق ما يجعل كل واحد منا يتوقف برهة ليحدث نفسه بكل اندهاش : هل حقاً انقضت تلكم السنون كلها من خلفي ؟! وماذا تبقى من العمر ؟ سؤال بديهي يجب أن يسأله كل منا لنفسه، ليقوم بإعادة الحسابات مع ذاته ويحلل تاريخه السابق ليتمكن من لحاق ركب المستقبل ، فمهما كان عمرك لا يزال أملٌ هناك طالما بقيت أنفاسٌ هنا، ووصية النبي الخاتم ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ” بمثابة دعوة إلى العمل المشبع بالأمل .
تعمدت أن أستهل مقالي في أول أيام العام الجديد 2022 بتلك الفقرة لأهمية استعادة الأمل لكل من شعر بفقدانه لأي سبب، سواءً لتقدمه في العمر أو لضياع فرصة عمل كان يحلم بها ، أو ارتباط ما كان يمني النفس به وتوارى بعيداً . الحياة لا تتوقف إلا مع توقف الأنفاس، لنحيا بالأمل في غد مشرق دائماً فالنفس يخرج ربما لا يعود والزمن أسرع آلات الدنيا
ومع بزوغ فجر اليوم الأول من يناير للعام 2022 وباستذكار أهم احداث العام المنصرم 2021 نرجو الله أن يكون العام الجديد أفضل من سابقه وأن يحيا فيه الناس حياة يسودها السلم والطمأنينة، فتتحسن معيشتهم ويتعافى اقتصاد بلادهم وتزداد حمايتهم من الجوائح والكوارث . وقد جاءت بداية عام 2022 لتعيد للعالم ذكريات أليمة بعد أن أطلت جائحة كوفيد 19 برأسها السيئ من جديد بعد أن كاد العالم يتعافى منها حتى نوفمبر 2021 . وكانت شعوب العالم أجمع قد دعيت منذ مطلع فبراير2020 إلى البقاء في الحجر المنزلي والحد من تحركاتها قدر الإمكان لكبح انتشار كوفيد-19 ، الذي أودى بحياة مليوني شخص حول العالم – وفق إحصاءات وكالة الأنباء الفرنسية ، وأجبر أكثر من 3,9 مليارات شخص، أي ما يعادل نصف البشرية، على الخضوع للحجر أو طُلب منهم ذلك ، ومع رياح العام الجديد2022 سعى معظم الناس إلى الالتزام بالضوابط من جديد خشية عودة الحجر وشهور 2020 التاريخية الصعبة، لكن بعيداً عما يتمناه الإنسان – وليس من داعي التشاؤم أبداً – أن نقول أن معظم المؤشرات التي تبدو في الأفق تشير إلى أن العالم في 2022 لن يشهد اختلافات نوعية عن سابقه الذي انصرم وكان عامراً بالأحداث التي لا تبشر بتغيير في عام 2022 .
وفي إطلالة سريعة مختصرة على أحداث 2021 الذي شهد عدداُ من الأحداث المهمة منها ما هو على الصعيد العالمي مثل تولي الرئيس الجديد في الولايات المتحدة، ورحيل المستشارة في ألمانيا، ونهاية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، كمحصلة لحملة عسكرية طويلة الأمد من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن استمرار تأثير وباء الفيروس التاجي على الأحداث العالمية، وبالتفصيل كانت السمة الرئيسة للعلاقات بين الدول الكبرى، هي عودة التنافسات الاستراتيجية الكبرى، وتبايُن الرؤى حول شكل النظام الدولي والقواعد التي تحكمه وقد انسحبت – أمريكا من عدد من الاتفاقيات المبرمة مع روسيا في هذا الشأن، ما أدى إلى ظهور بوادر مقلقة لعدم الاستقرار الاستراتيجي، وجاءت حالة الهلع الذي أصابت العالم مع انتشار وباء كوفيد-19، وما رافقه من إغلاق للحدود، وتوقف سلاسل الإمداد العالمية، وتسابُق الدول المتقدمة للحصول على أكبر كمية من اللقاحات، ليُدعِّم الاتجاه نحو الوطنية الاقتصادية والانكفاء على الداخل ما كان حجر عثرة في طريق نمو الاقتصاد العالمي. وجاء تراجع الثقة المتبادلة بين أمريكا والصين وروسيا ليجعل العلاقة بينها أكثر توتراً ، وتوالت تحذيرات الدول الغربية لروسيا من عواقب غزوها أوكرانيا ، وانتقلت العلاقة بين أمريكا والصين من التنافس الاقتصادي والتجاري إلى استخدام استراتيجية الردع المتكامل، وفي رد فعل قامت الصين بتعميق تعاونها الاقتصادي مع دول آسيا والخليج العربي، وأبرمت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المتكاملة مع إيران.
وكانت للتنافسات الاستراتيجية بين الدول الكبرى تأثيراتها الإقليمية في شكل الحروب بالوكالة، ودعم أطراف بعينها في الصراعات الإقليمية، والتي ترتب عليها استمرار الأوضاع في محافظة إدلب السورية دون حل، وعدم إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، بعد أن كان مقررًا عقدها 24 ديسمبر الماضي، واستمرار الأزمة السياسية في ميانمار، والأزمة السياسية والمجتمعية في لبنان. وأسهمت هذه التنافسات أيضاً في استمرار حالة عدم الاستقرار في كثير من دول أفريقيا، والتي ظهرت في محاولات الانقلاب العسكري التي شهدتها النيجر وغينيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ومالي والسودان .
إن هذه المظاهر للاضطراب وعدم الاستقرار في العالم تعيد إلى الأذهان أجواء “الحرب الباردة” بأشكالٍ جديدة، ولكن بالطبع لن تتورط أي منها في حروب لإدراكها جميعاً حجم الكارثة، التي يُمكن أن تحدث جراء ذلك. وأنه مع وجود الاختلافات بينها، يجمعها أيضاً مصالح مشتركة، مما يضع سقفاً لاختلافاتها ونؤكد أن ما يدور في الغرف المغلقة بين تلك الدول مناف تماماً لما هو معلن .
أما على صعيد العالم العربي … فقد شهدت المنطقة خلال العام 2021 أحداثا متنوعة كثيرة، حظيت باهتمام واسع، في السودان تواترت الأحداث سريعاً إذ أعلن الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش فرض حالة الطوارئ وحل الحكومة برئاسة عبد الله حمدوك ووضعه تحت الإقامة الجبرية إضافة لاعتقال عدد من الوزراء. واعتبر كثيرون هذه الخطوة انقلاباً عسكرياً من الجيش وتعطيلاً لمسار المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، والتي كان من المقرر أن تنتهي بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية. وعلى الرغم من إعادة حمدوك إلى منصبه من دون حكومته في نوفمبر بموجب اتفاق سياسي معه، لم يَنل هذا الاتفاق رضا الشارع السوداني الذي بات يُطالب بحكم مدني خالص، ومنذ الانقلاب يشارك السودانيون في مظاهرات حاشدة رفضاً للحكم العسكري متحدين إجراءات قمعية متعددة من الشرطة .
وفي تونس أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد اللجوء إلى فصل بالدستور يخول له اتخاذ “تدابير استثنائية” في حال وجود “خطر داهم” على البلاد. وبمقتضى ذلك أعلن إعفاء رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان. وأصدر أمراً رئاسياً بتجميد العمل بمواد عديدة من الدستور ومنح نفسه سلطة التشريع عبر مراسيم، وأعلن تمديد الإجراءات التي اتخذها حتى إشعار آخر. وعمقت خارطة الطريق التي أعلن عنها قيس الانقسام السياسي في تونس، بين معارض يرى أن القرارات مجرد استمرار “للانقلاب”، ومؤيد يعتبر أنه رسم خارطة طريق لإنهاء تجميد أعمال البرلمان والدستور وعودة الحياة الديمقراطية.
وفي لبنان أثارت تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي – المستقيل مؤخراً – خلال مقابلة سجلت له سابقاً قبل أن يعين وزيراً لكنها بثت على التلفزيون اللبناني بعد ذلك، انتقد خلالها التدخل العسكري بقيادة الرياض في اليمن، أثارت غضب دول خليجية ردت باستدعاء سفرائها من بيروت. ومثلت هذه الخطوة ضربة للبنان الذي تشكلت حكومته في سبتمبر بعد 13 شهراً من الانتظار، وكان ينتظر منها أن تقوم بإصلاحات كبيرة لإنقاذ البلاد من أزمة اقتصادية مدمرة.
أما في الشمال الإفريقي فقطعت السلطات الجزائرية العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس بسبب ما اعتبرته “الأعمال العدائية” للمملكة. واتهمت المغرب بالتآمر ضدها مع إسرائيل، كما ألمحت إلى أن الرباط تقف خلف الحرائق التي ضربت البلاد. من جانبه، رفض المغرب بشكل قاطع المبررات الزائفة بل العبثية التي بني عليها القرار.
وفي فلسطين العربية المحتلة جولة جديدة من العنف بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية، في مايو على خلفية التوترات في مدينة القدس الشرقية المحتلة، وضعت الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى في قلب الاهتمام الإعلامي والدبلوماسي. وعلى امتداد 11 يوماً، شهدت غزة غارات عنيفة وبلغت حصيلة الضحايا من الفلسطينيين 235 شخصاً أكثر من مئة منهم أطفال ونساء.
وفي منطقة الخليج وبعد أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة الخليجية، وخلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي في يناير2021 ، بمدينة العلا السعودية بمشاركة أمير دولة قطر، عادت العلاقات الكاملة بين دول الخليج والدوحة بما في ذلك الرحلات الجوية، وأجمع قادة الخليج على ضرورة الوحدة في السياسات الخارجية والمجال الاقتصادي. كما تم الاتفاق على تطوير شبكات الطرق والقطارات والاتصالات بين دول المجلس وتنسيق الجهود لمكافحة التغير المناخي والأوبئة والأمراض،
وفي الختام نرجو الله – تعالى – أن يكون عام 2022 خير ورفعة وأمن وسلام لكافة التجمعات البشرية الساعية للسلام حول العالم وأن تتعافى منطقتنا العربية فتولي العلم أهميته الكبرى فتصبح قوة اقتصادية ذات منعة ووزن كبير على الصعيد الدولي يتمتع أهلها بالرفاهية والعيش الكريم ، ونظل في ذلك على أمل باق .