د. دينا أحمد علي
باحثة بمركز بحوث الصحراء
شعبة الدراسات الإقتصادية والإجتماعية
إنَّ جائحة كورونا قد أعادت تشكيل المجتمعات حول العالم، و مع استمرارها كان لزاماً علينا أن نفكّر في إصلاح ما أفسدته الجائحة حاضراً ومستقبلاً ، علماً بأن تسريع الاستثمار والابتكار في الزراعة الرقمية يُمكننا من حماية المجتمعات الزراعية والصحراوية الأكثر فقراً في العالم من أسوأ تأثيرات الأزمة الحالية. فالتقنيات الرقمية يمكن أن تساعد على إنهاء الفقر والجوع على مستوى العالم بشكل أسرع، بما في ذلك المناطق الريفية و الصحراوية من الدول النامية حيث يكسب معظم الناس عيشهم من الزراعة . وعندما نخرج جميعاً من الجائحة نكون قد وضعنا الأسس لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.
إنَّ الزراعة الرقمية والتي من شأنها قيام المزارعين باستخدام الهواتف المحمولة وغيرها من التقنيات الرقمية للوصول إلى معلومات زراعية متخصصة وقابلة للتنفيذ يمكن أن تكون بمثابة ثورة في كيفية تأمين وتحسين سبل العيش لتلك المجتمعات الريفية والصحراوية.
من المعروف أنَّ صغار المزارعين يحتاجون إلى معلومات دقيقة وبدون تأخير خاصة في ظل ظروف التغيرات المناخية والتي تلقي بتأثيرها بشكل كبير علي كل الزراعات في كل المواسم ولهذا السبب فإنَّ الحكومات في الدول المتقدمة والنامية ولعشرات السنين كانت تدعم المزارعين من خلال حملات إرشادية وتوعية عامة.
أما اليوم فإنَّ معظم المزارعين في أقصى بقاع الأرض لديهم هواتف محمولة، مما يعني أنهم قادرون على تلقي مشورة زراعية موجَّهة، وذلك من خلال الرسائل النصية أو الصوتية وحتى لو لم تكن لديهم القدرة على الوصول للإنترنت. وعلى سبيل المثال في أوديشا في الهند فإنَّ مؤسَّسة بريسيجن للتنمية الزراعية تقدم نصائح زراعية مجانية متخصصة ومتعلقة بالمحاصيل على وجه التحديد لنحو 800،000 مزارع وذلك من خلال هواتفهم.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ التقنيات الرقمية تقدِّم مجموعة من الفرص الأخرى لتلك المجتمعات الريفية والصحراوية. فعلى سبيل المثال ومع توفر الدعم من الصندوق العالمي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة، فقد تمَّ تركيب أجهزة استشعار عن بُعد من أجل مساعدة المزارعين على الاستفادة القصوى من مستويات المياه والأسمدة لمحاصيلهم، كما يتم استخدام الطائرات بدون طيار لتحديد النباتات المتضررة وذلك حتى يتم اتخاذ الإجراءات العلاجية الأزمة .
في واقع الأمر فإنَّ من الممكن أن تصبح الرقمنة بمثابة نقطة تحوُّل في البلدان النامية ولكن عمل ذلك يتطلَّب المزيد من الابتكار وشراكات قوية بين الحكومات والشركات والمزارعين مع توافر بيئة تنظيمية وذلك للتحقُّق من توافر التقنية بأسعار معقولة ويمكن الوصول إليها ووضع برامج منظمة تشرف عليها وزارات الزراعة والمراكز البحثية المتخصصة عبر العالم لتقديم المعلومات والإرشادات الزراعية بشكل علمي وآمن .
لذا يجب تشجيع القطاع الخاص على تطوير وتبني التقنيات الحديثة وإعادة تصميمها لصالح صغار المزارعين وبالتعاون معهم. فالاستثمار في الزراعة الرقمية اليوم لديه الإمكانية لتحقيق أربعة أضعاف العائد.
لذا نري أن الرقمنة يمكن أن تساعد العديد من الناس الأكثر فقراً في العالم على التصدي لأزمة جائحة كورونا ، وذلك من خلال إعطائهم القدرة على الوصول عن بُعد للمشورة والمدخلات .
أيضاً يمكن للرقمنة أن تسّرِع من تبني استراتيجية مجرّبة وفعّالة من حيث التكلفة وقابلة للتوسُّع لزيادة الإنتاج الزراعي طويل الأجل وتحسين سبل العيش بالمجتمعات الريفية والصحراوية . كما تمكنهم أيضاً من الاطلاع علي أحدث ما توصلت إليه التقنيات الزراعية وطلب الدعم والإرشاد من خلال المتخصصين الزراعيين في هذا الشأن بشكل مباشر عبر التواصل التقني وتقديمها لهم بشكل سريع وناجز.
وأخيراً فإنَّ الرقمنة يمكن أن تعطي المزارعين صوتاً، مما يسهم في تمكين الحكومات من أهم المشكلات والمعوقات التي تواجه المزارعين ووضع خطط لأزالة تلك المعوقات للوصول إلى أكبر عائد في مجال الاستثمار الزراعي والذي يعود بالنفع علي المزارع والدولة