ورقة علمية لمؤتمر معاً ضد الإدمان
الباحث : محمد عبد العزيز
لقد شغلت مشكلة المخدرات المجتمعات في العالم أجمع، لما لها من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع على مختلف الصعد النفسية والاجتماعية والاقتصادية ، وقد أصبحت تؤرق كافة أجهزة ومؤسسات المجتمعات لاسيما تلك التي على تماس مباشر مع المدمنين مثل القطاعات الأمنية وعلماء النفس والاجتماع ورجال الدين، في محاولات للحد من مخاطرها .
ونتقدم بالشكر لأكاديمية الاتحاد الوطني لإعداد القادة على اختيار عنوان – معا لمكافحة الإدمان – لمؤتمرها الرابع لاسيما وأن أحد أهدافه تطوير الخطط الوقائية لمختلف الجهات المعنية ، وذلك بعد أن تفاقمت إشكالية الإدمان في العقدين الآخيرين بشكل يتداعى معه ضرورة تكاتف كل المؤسسات الوطنية ذات الصلة خاصة العلمية منها تنصهر جميعها في بوتقة واحدة للحد من اثارها السلبية التي باتت تهدد بهدم أواصر المجتمعات حول العالم ، ما يستدعي تلاحم كل مؤسسات الدولة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني وقطاعات التعليم لاحتوائها .
في البداية لابد من عملية تحرير للمصطلحات ، فيعرف الإدمان في الأدبيات المختلفة على أنه ممارسة سلوك معين يؤدي إلى حالة هوس جراء خلل مزمن في النظام الدماغي ، ويعرف تفصيلاً بأنه عدم القدرة النفسية والجسدية على التوقف عن استهلاك مواد معينة سواء كيمائية أو عقاقير خارج القانون ، ومن أبرز أعراضه فقدان القدرة على ضبط النفس . وللإدمان نوعين ( الإدمان على سلوك ما – إدمان مواد معينة – عقاقير غير قانونية – )
أولاً : إدمان السلوك
ويتمثل في رغبة جامحة للفرد في القيام بمجموعة من السلوكيات واعتماده عليها ، حيث يشعر بأعراض الإدمان ذاتها ولكن دون استهلاك مواد بعينها ، بل بالاعتماد على القيام بنشاط أو سلوك أو مجموعة من الأنشطة التي توفّر بعض المشاعر المريحة والمهدئة للنفس ، وأحيانًا النشوة والابتهاج لدى الفرد، ويمكن أن يشمل إدمان السلوك إدمان أيّ مما يأتي:
( لعب القمار- تناول الطعام – ممارسة التمارين الرياضيّة – مشاهدة التلفاز – ممارسة الجنس – مواقع التواصل الاجتماعي – العمل إلى حدّ الوصول للإرهاق الجسدي، والذي يؤثر في العائلة والعلاقات والحياة الاجتماعيّة – التسوّق الذي يصل إلى حدّ شراء الأشياء التي لا يحتاجها الفرد، وعادةً يتبع ذلك الشعور بالذنب والخجل واليأس – الإنترنت سواء على شاشات الهاتف المحمول أو الحاسوب، ويتمثّل بقضاء ساعات في تصفّح الانترنت واللعب مع إهمال جوانب الحياة الأخرى.
ثانياً : إدمان المواد الكيميائية
ويعد النوع الثاني من الإدمان – ادمان المواد الكيميائية – هو الأشد خطورة حيث أنه يتطور سريعاً مع الوقت، ويحتاج إلى العلاج من قبل الاختصاصيين ، ومن أمثلة تلك المواد ( الماريجوانا – الحشيش – المسكّنات الأفيوينة – المنشّطات مثل ، الميث أو الميثامفيتامين – الكوكايين – الكحول – منتجات التبغ – استنشاق المذيبات والمواد المتطايرة مثل الصمغ ومشتقات الوقود أو البترول )
لقد أصبح الاعتماد على المواد المؤثرة على العقول (المخدرات) خطراً يهدد الكثير من أبناء المجتمعات المختلفة، بل زاد خطره إلى درجة استخدامه كسلاح خفي في الحروب بين الدول مستهدفة بشكل خاص فئة الشباب منهم من أجل تحويلهم من قوة وطنية فاعلة ومنتجة إلى قوة مدمرة تشل حركة ذلك المجتمع وتبدد ثرواته ، ويتم هذا بشكل مستتر تارة وواضح تارة أخرى ضد شباب المنطقة العربية ومعروف عنها أنها غنية بشبابها الذين يشكلون النسبة الأكبر من بين الفئات العمرية .
ووصل الأمر إلى أن خطر الاعتماد على المخدرات لم يعد مقتصر فقط على فئة الشباب وحدها بل امتد ليشمل صغار السن، ووفق التفاتة من مؤتمر المجلس الدولي لشؤون الكحول والإدمان أشارت إلى أن الاعتماد على المخدرات امتد ليشمل من هم في سن (12) عامة، وفي نفس المؤتمر أشير إلى أن الاعتماد على المواد المؤثرة بات منتشراً في جميع أنحاء العالم من دون استثناء .
تعتبر مشكلة تعاطي المخدرات من المشكلات التي تؤثر في بناء المجتمع وأفراده لما يترتب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية سيئة تنسحب على الفرد وعلى المجتمع، كما أنها ظاهرة اجتماعية مرضية تدفع إليها عوامل عديدة ، بعضها يتعلق بالفرد والبعض الآخر بالأسرة والثالث بالبناء الاجتماعي ككل ، وقد دلت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الهيئات المتخصصة على أن الفرد متعاطي المخدرات) قد سجل بالفعل تهديدا لكيان المجتمع وساهم في عرقلة مسيرة البناء والتطور في كل المجالات. وتتضح خطورة هذه المشكلة في أثر سلوك المتعاطين على الأوضاع القانونية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الذي يعيشون فيه؛ حيث يتمثل ذلك من الناحية القانونية في ازدياد معدلات القضايا والمخالفات التي يرتكبونها نتيجة الاستغراق في تعاطي المخدرات، الأمر الذي يتطلب مزيدا من إجراءات الشرطة والقضاء لمواجهة هذه المشكلة.
كما يتمثل الجانب الاقتصادي في الخسائر التي تعود على المجتمع جراء فقده لهذه العناصر البشرية التي كان من الممكن أن تساهم في عملية البناء والتنمية، حيث يعتبر المتعاطين خسارة على أنفسهم وعلى المجتمع من حيث أنهم قوى عاملة معطلة عن العمل والإنتاج يعيشون عالة على ذويهم وعلى المجتمع، وإن أنتجوا فإنتاجهم ضعيف لا يساعد على التقدم والتنمية بل قد يكونوا في مستقبل حياتهم عوامل هدم وتعويق لعملية الإنتاج، بالإضافة إلى ضعف أداء وكفاءة المتعاطي أو المدمن لعمله وسوء إنتاجه لأن الإنتاج يتطلب عقولاً وأبداناً صحيحة، وهذا لا يكون متوفرا نتيجة التعاطي وغيره من الظواهر المرضية التي تهدد أمن المجتمع ورفاهيته.
أما تأثير تعاطي المخدرات على النواحي الاجتماعية فيتمثل في كون المتعاطين يشكلون خطرا على حياة الآخرين من حيث أنهم عنصر قلق واضطراب الأمن المجتمع في سعيهم للبحث عن فريسة يقتنصونها أو سرقة أو نصب أو ممارسة أي لون من ألوان الإجرام المخالف للقانون، كما أنهم يشكلون خطرا كبيرا على أنفسهم وعلى حياتهم نتيجة التعاطي مما قد يقودهم في النهاية إلى أن يصبحوا شخصيات سيكوباتية أو إجرامية أو حاقدة على المجتمع لا تعرف سبيلا لأهدافها إلا بالعدوان أو الضغط، وبعد فترة يقع ضحية للمرض النفسي أو الانسحاب والانطواء على النفس وعدم مشاركة الآخرين في بناء المجتمع .
وقد امتدت آثارها إلى جوانب مختلفة من الحياة البشرية، وأضحت سبباً مباشراً في انتشار عدد لا بأس به من الجرائم الخطيرة والآفات الصحية والنفسية والاجتماعية التي تقوض مقومات المجتمع وتتخره من الداخل فتهدد حياة الشباب وهم عماد المجتمع ، حتى أصبحت بحق الموت ” معبأ في أقراص وحقن، و السم” معروض في ألف شكل وشكل، وضحاياه من كل جيل وجنس وطبقة اجتماعية.
وقبل عشرة أعوام ظهر تقرير المفوضية الأوروبية عن أسواق المخدرات في العالم؛ وقد بين هذا الجهود الكبيرة التي بذلت على مدى السنوات العشر الماضية لمكافحة المخدرات على مستوى العالم، والجهود المكثفة لمساعدة متعاطي المخدرات، والتدابير الصارمة التي تم اعتمادها ضد تجار المخدرات ،إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال إلى حد كبير، فلم تحتو الدراسة التي استند عليها التقرير على أي عنصر يظهر تراجع مشكلة تعاطي المخدرات على مستوى العالم في الفترة من 1998_2007 حيث أنه بصفة عامة قد تحسن وبشكل طفيف في بعض البلدان الأكثر غنى في العالم وازداد سوءا في بعض البلدان الأخرى إلى حي فاق التصور؛ خصوصا في بعض البلدان النامية.
ويؤكد تقرير المفوضية الأوروبية أيضاً على أنه إضافة إلى أن ظاهرة تعاطي المخدرات على مستوى العالم لم يظهر عليها تحسن منذ عام 1998 فإنها أصبحت أكثر تعقيداً في أكثر البلدان الغربية : – حيث انخفضت أسعار المخدرات بنسبة تتراوح بين 10 و 30% رغم تشدید العقوبات على بائعي المخدرات مثل الهيروين والكوكايين – كما دلت المؤشرات على أن الحصول على المخدر أصبح أكثر سهولة كما أصبح تعاطي الحشيش (القب) بين أوساط الشباب في بعض البلدان الغربية شائعاً إلى حد أن نحو 50% ممن ولدوا بعد عام 1980 جربوا الحشيش على الأقل مرة في حياتهم، رغم أن غالبيتهم يتوقف عن تعاطيه عند سن البلوغ .
وتوضح الأرقام والدراسات أمرين أساسيين:- الأول: أن الجهود المبذولة لمكافحة المخدرات كبيرة على المستويات جميعها الثاني: أن السياسات المعتمدة لم تنجح إلى الآن في الحد من هذه المشكلة التي تؤرق العالم، ولا يستثني أحد ، وهذا لا يناقض ذاك في شيء، فالنتائج كما تقول التقارير الدولية ليست في مستوى الجهود المبذولة فضلا عن الآمال والطموحات، وقد تكون المشكلة حينها مشكلة كيف وليس كم ، أي أنه علينا مراجعة جهودنا التي نبذلها في سبيل مكافحة المخدرات، لا لنبذل أكثر بل علينا أن نعمل بطريقة مختلفة عما الفناه ، فالمخدرات هي من المشاكل الإنسانية التي تزداد خطورة مع الأيام بفعل تطور أنماط الاستهلاك ووسائل الاتصال.
إن المتابع لمشكلة إدمان المخدرات على الصعيد العالمي يجد أنها أصبحت من أكبر المعضلات التي تعاني منها كافة دول العالم وشعوبها، فخطورتها أصبحت ماثلة أمام جميع الدول مما دفعها إلى العمل على محاربة هذه الآفة من خلال الاتفاقيات والبروتوكولات والمعاهدات حتى باتت مشكلة تعاطي المخدرات – في السنوات الأخيرة – أزمة تقض مضاجع كل الحكومات؛ ليس فقط لما هو معروف عن أضرارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عام ، لكن أيضا لما تسببه من مشاكل أمنية بشكل خاص وارتباطها بالجريمة المنظمة وقضايا غسل الأموال وشبكات الإرهاب عبر العالم.
حلول مقترحة
وفي نهاية الورقة العلمية نقدم مقترحاً لبعض أوجه الحلول لمواجهة هذا الخطر متمثلة في عدة إجراءات لابد من القيام بها مجتمعة :-
1. توافر الرغبة الحقيقية والإرادة الصادقة لدى حكومات الدول المختلفة في حماية أفراد مجتمعاتها من هذا الغول الذي يهدد بقاءها مجتمعات صحيحة ناهضة .
2.إطلاق خطط علمية ملموسة تتعاون فيها كافة الجهات المعنية ( الأمنية والنفسية والاجتماعية والدينية ) .
3. توفير بيئات آمنة تحتضن هذه الشرائح المدمنة وتعيد انخراطهم ودمجهم في مجتمعاتهم من جديد بشكل صحي سليم بعيداً عن اهمالهم الذي يؤدي إلى مخاطر أكبر
4.تعاون جميع الهيئات المحلية والمنظمات الدولية بحشد جهودها المادية فتخصص ميزانيات كبيرة للإنفاق على تنفيذ برامج علاجية وإنشاء مصحات كبرى لعلاج المدمنين لأن من يدخل إلى عالم المخدرات هو مضطرب نفسي يحتاج إلى علاج .
5. حشد المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في كل الدول جهودها البشرية المتخصصة سواء التعليمية أو الإعلامية أوالسياسية، والقانونية لتنفيذ مشروعات عمل كبيرة من أجل التصدي لهذه الإشكالية الخطيرة حول العالم تكون المناهج التعليمة حجر الزاوية فيها .
6.يجب على الجهات المعنية في كافة الدول محاربة كبار تجار المخدرات لاسيما وأنه أحياناً تتورط شخصيات كبيرة في هذه التجارة ، فلا يمكن اللجوء اليهم لتأمين الحماية من المخدرات، في الوقت الذي يكونوا هم المتسببون فيه ، إلى جانب الفساد الذي من الممكن أن يكون موجوداً في مؤسسات مكافحة المخدرات نفسها.
7. يجب على صناع القرار وقف الحملات المنظمة التي تسعى لتبييض صورة تاجر المخدرات في بعض وسائل الإعلام ، فتصوره بعض الأعمال الدرامية أنه يغدق على الفقراء فيعتقد المراهقين أنهم أسوياء ، وهذا يخلق جيل جديد لا يرى في المخدرات أمراً مضراً الأمر الذي يقوض جهود الدول نحو وقف مخاطر الإدمان .
المصادر
•المخدرات وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية – الدكتور خالد حمد المهندي
• الجعفري، ابتسام – السائقون وظاهرة المخدرات ( دراسة على عينة من شباب السائقين) .
• – حسن، أحمد حسين – العوامل المهيئة لتعاطي المخدرات بين السائقين الشباب وظاهرة المخدرات، دراسة على عينة من شباب السائقين.
•الفار، أحمد شوقي وآخرون – مشكلة تعاطي المخدرات. جامعة قطر. الدوحة. –
•الأصفر، أحمد عبد العزيز – وامل انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع العربي. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض
•عكاشة، أحمد – طلاب الجامعة الناجحين والراسبين الذين يستخدمون المخدرات،) من كتاب: الإدمان : أضراره – نظريات تفسيره – علاجه – دراسة عبر ثقافية بين المدمنين في مصر ودول الخليج العربي، محمد حسن غانم؛ و محمود السيد ابو النيل.