تقاس حضارة الأمم بمستوى تطور التعليم الأساسي فيها لما للتعليم الأساسي من أهمية جذريّة في تأسيس المجتمعات وبناء ثقافاتها وتطوير علاقاتها بين الأفراد وبين الجماعات على حدّ سواء، ويعدّ وسيلة من وسائل التنمية الإنسانية، فهو الذي يُؤمَّن للمتعلّمين فرصة لتحسين واقعهم من جوانب عديدة -ولا سيما الجوانب الصحية والنفسية- فمن الممكن أن يؤثر الوعي التعليمي على نمط استخدام الإنسان للغذاء، مثل كونهِ مدخِّنًا ساعياً إلى التخلص من التدخين، أو حريصاً على الأطعمة الصحية أو متجنباً لما يجلب الضرر لجسمهِ.
ويؤثر التعليم أيضاً على نمط استخدامه للوقت وتنظيمه، ونمط نومِهِ وعاداته اليومية، كما أنه يؤدي دورًا مهمًّا في منح الثقة بالنفس، مما ينعكس بشكل إيجابيّ على حياة الطلبة بشكل عام.
و لا شك أن التعليم يعمل على توسيع المُدركات العقلية لدى الفرد ويصحح منهجية التفكير التي يعمل العقل وفقها في سائر المعالجات الذهنية، وهذا ما يؤثر إيجاباً على استقباله للمعلومات وتأدية وظائف الذاكرة بشكل أفضل، كما يسهم في إجادة تحديد الأهداف وفق ما تتطلبه الحياة من معايير.
أما على الصعيد الاجتماعي، يؤثر التعليم الأساسي في بناء المجتمعات وتطوير مكوناتها ويعمل على تأسيس الأبعاد الجذرية للموازنة الفكرية والقيمية والوجدانية في المجتمعات، وبالتالي فإنه يشكل النواة الأولى واللبنة الأساسية للسلام الاجتماعي، ويكوِّن صلة وصل قويّة بين جميع أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية، وهذا ما ينعكس إيجاباً على مقوّمات الوحدة الوطنية التي تدعم كيان المجتمع واستمراره وتطوّره نحو الأفضل، وذلك أيضاً ما يجعل أفراد المجتمع على قدر من المسؤولية الوطنية والانتماء الإيجابي للمكان الذي يعيشون فيه، لكي يتمكنوا من جني ثمار ذلك التكافل الاجتماعي على كافة الأصعدة. فالبُعد الاجتماعي بالإضافة إلى القوى الثقافية المجتمعية تُشكّل المحور الأساسي للتنمية في كافة مجالاتها، فالتعليم هو الفرصة الجوهرية بالنسبة لكل فرد للتنمية البشرية المتنامية، والعمل على تطوير وإنضاج القدرات والطاقات المختلفة لكل فرد من الأفراد بطرق مدروسة ومنظّمة وأكاديمية، وذلك ما يجعل من عملية التعليم عملية ذات قداسة في البُعد الاجتماعي بالدرجة الأولى.
وعلى الصعيد السياسي، ما دور السياسة في تنمية التعليم وتطويره؟
تقوم الوزارات المسؤولة عن التعليم في كل بلد من البلاد برسم السياسات التربوية لتحقق التأثير على مستوى التحصيل العلمي في تلك البلاد وطريقة التغذية التعليمية فيها، والأساليب اللازمة لبث تلك التغذية والتدرّج بمستوياتها من مرحلة الروضة وحتي مرحلة الدكتوراه . KG…..PHD، وتساهم تلك الوزارات بدورها الأساسي في تفعيل الدور القومي للتعليم وتوسيع دائرة التطوير العلمي الوطني، وبالتالي رفد الوطن بالأفراد المساهمة في الوظائف التعليمية وتطوير مستوياته الثقافية والاقتصادية، وتحسين مستوى البلد مقارنةً بالبلاد الأخرى من خلال الدعم العلمي بالوسائل اللازمة وتأمين المتطلبات الضرورية للنهوض بالحركة التعليمية المستمرة. كما يمكن القول بأنّ هناك رابطة قويّة بين ارتفاع المستوى التعليمي في بلد معين وبين تمكُّن الأفراد من الديمقراطية التي تُتيح لهم التصرف الأمثل بالموارد العلمية، كالاستثمار وتأسيس المشاريع التجارية والمشاركة في ميادين عالمية، واستخدام الصلاحيات المتعددة. ومن هنا نؤكد مقولة تقاس حضارة الأمم بمستوى تقدم التعليم فيها وجودته .
أما أهمية التعليم الأساسي على المستوى الاقتصادي فإن التعليم الأساسي يعمل على النهوض بالمستوى الاقتصادي للمجتمع من خلال تطوير مهارات الأفراد وتمكينهم من الاستفادة من وظائف ذات مردود جيد، كما أن التطور الاقتصادي الذي يسعى التعليم إلى الاستفادة منه في المجتمعات والذي يُمكّن المتعلمين من استخدام الأدوات الحديثة والمتطورة في ميدان البحث العلمي يُسهم في إعطاء الإجابات الأكثر دقة عن التساؤلات العلمية المتشعّبة في كل مجال من المجالات، وهذا ما يجعل العلم يساير درب التقدم والسموّ، ويرتقي إلى مراتب لا نهائية في كافة الميادين، مما يجعل إمكانية الاختراع والابتكار متاحة بشكل أكبر لدى الأفراد، وبالتالي تعود الدائرة إلى تطوير الاقتصاد لدى ذلك المجتمع نفسه.
و يسهم التعليم من زاوية أخرى في زيادة الإنتاجية وزيادة اليد العاملة التي تتمتع بالخبرة والدراية المتخصصة بالعمل الذي تقوم به، مما يُتيح لكل فرد من الأفراد أن يكون في مكانه العملي المناسب، وهذا ما يعطي فرصة للاقتصاد بأن يزدهر بزيادة الدخل القومي وتحقيق التنمية الاقتصادية على الصعيد المجتمعي، فضلًا عن ازدهار حياة كل فرد من الأفراد، وتمتّعه بالرخاء المعيشي. كما أنَّ متابعة التعليم ومستوياته تُحسّن برامج التعليم الصناعي، وتعمل على إعداد المزيد من الموارد البشرية المتدربة وفق المجال التكنولوجي، والقادرة على ربط التكنولوجيا بالاحتياجات التنموية والاستفادة منها في تقديم الإنتاج الأفضل.
وتتجلى أهمية التعليم الأساسي على المستوى الثقافي من خلال الإجابة على التساؤل الرئيسي، هل الثقافة وليدة التعليم في محورها الأول؟ وللإجابة على التساؤل فإن التنشئة الاجتماعية والتعليمية في مستواها الثقافي تعتمد على بناء المحاور الثقافية لدى الفرد منذ نشأتهِ وطفولته، إذ تقوم المؤسسات التعليمية برسم نمط محدد من أنماط السلوك لهذا الطفل يُطابقُ ثقافته المجتمعية السائدة، وتؤطّر الممارسات التابعة لذلك السلوك بالثقافة المجتمعية التي ينبغي أن تتحرك تصرفات الفرد خلالها من واجب أو غير واجب، مما يؤدي إلى توافق الفرد مع مجتمعه وبناء نظام القيم المتوارثة في ذاته، ويؤدي ذلك مع تقييمه الشخصي وتعامله الذاتي مع تلك القيم والمواقف إلى تكوين شخصيّته المتميزة عن غيرها بصفات محددة، وتحديد ميوله ورغباته والسير في الاتجاه المناسب لتلك الرغبات وفق مُعطياته الثقافية.
ممّا تقدم يتبيّن أنّ المستوى الثقافي يتداخل بشكل كبير مع المستوى الاجتماعي ويشكل جزءًا منه، وذلك لأنّ التعليم يعمل على كافة الأصعدة.