إنّ لِكلّ أمة قضاياها التي تعيش لأجلها، فمنها ما هو مقيّد في سجلّ القضايا الشائكة، ومنها ما هو مجدول على سلّم الأولويات ويكون في طريقه إلى الحلّ، ومنها ما قد عفى عليه الزمن وأصبح أطلالاً بعد إيجاد الحلول الناجعة لها.
وفي القرن العشرين أطلّت على أمة الإسلام من القضايا ما يشغل البال، ويجعلنا لا ننام الليل أفراداً ومجتمعات، فقد انزلقت الأقدام، وانكسرت الأقلام، وحارت الأفهام، فلا الحلول مستنهضة، ولا المشورة مستقطبة، ولا القلوب عازمة على الحلّ.
فأين نحن من فلسطين وهي قضيتنا الأولى، بما لم يعد خافيًا. ولكنَّنا –وللأسف-، لم نسع جادّين لإيجادِ حلّ جذريٍّ لها، وهذا ما ذكره “فرانسوا متيران” في مذكراته، ناقلا ذلك عن رئيس وزرائه: “جاك شيراك”. منذ ثلاث وثلاثين سنة.
ومما ننبه إليه، بأنّ فلسطين ليست قضيتنا الوحيدة فقط، وهنا تكمن الخطورة، فعلى أهمية قضية فلسطين الدينية والتاريخية وأولويتها الحساسة، إلا أننا نراوح مكاننا أحيانا ونتأخر أحيانا أخرى، فإلى متى تعيش الأمة التمزق والتشـرذم بين الأمم فيما لا داعٍ له أمام تقدم العصر وانفتاحه؟.
ولعلي أشير إلى قضية مهمة جدًّا، وهي: “الجهل” في شؤون ديننا، فالجهل الذي يفضي إلى النزاع والخلاف والإقصاء والتضييق في وقت الفسحة، أو التوسع في وقت الضيق، والذي يفقدنا روحَ الإسلام التي تنتعش بالمودة والإخاء بيننا، فالجهل سببٌ أصيلٌ في تراكم القضايا التي تنتظر حلولاً على جدارية طالت واستطالت مما ينتظر الحلول الأكيدة والجادّة.
وحينما افتقدنا الاهتمام بقضايانا، صار التخطيط يسيراً على الأعداء وهم يحبكون الخطط المتوالية لإنهاء الأمة وتقسيمها فأتت المخططات أكلها أشد انشطاراً من قنبلتي هيروشيما وناكازاكي. بل وصل الحال بنا إلى أنْ موجٌ كالظلل إذا أخرج يده لم يكد يعرفها، فكيف سيعرف اليد التي تؤزه أزًّا؟. فانضبع البعض منا –جهلاً أم عن قصدٍ- والتحقوا بجحر الضبع فكانوا في أحضان حنانيه.
وشاء الله عز وجل أن تنطلق يقظة في الأمة بفضله تعالى، ثمّ بجهد جهيد علمائها الأفذاذ ودعاتها الأخيار. إلا أنّ الكثيرين منّا وهم في مسارعة من أمرهم، ازدحموا على أبواب فضيقوا من الدين ما هو فسيح، فأصبحت تدخل علينا الفتن كل حين، ومن حيث لا نحتسب.
وتكالبت علينا الأمم، وأصبحنا نترك التمرة ونأكل الجمرة، ونلحق السراب ونترك الكنز الدفين، ونعادي أخَا نادٍ وننادي أخًا عادٍ، وانسحب البساط من تحتنا وها هي الأمة تحاول أن تجتمع بقضها وقضيضها على قضية واحدة فلا تحلّ من عقدتها زردة، واجتمعنا حواليها عاجزين عن نفخ الهواء لإطفاء جذوتها وانقطعت الأنفاس فلا مدافع عن قضايا أمتنا إلا ثلّة ممن لا يضرهم من خذلهم.
ويبقى السؤال:
هل نحن نيام؟ أم أننا لا نستحق النصر؟. ففي الحالين مأساة، وبالعلم نور يستنهض الأمة، ولا نور كنور القرآن والسنة، ففيهما العصمة وبهما النجاة، وعلى الله التكلان، وهو ربّنا وإليه مآبنا. فهل نجسّد القرآن والسنّة، مودة وألفة بيننا، فتلك قضية تحت الركام مكتوبة على الجدار تنتظر.