كم من رجل أعمال جمع مالاً وافراً ليوفر به السعادة لنفسه و أهله فإذا بالحسرات تلاحقه!
كم من قائد ساد الناس بقوته و دهائه و حسب أن السعادة في السيادة فإذ بالأحزان تعيقه و تأسره!
كم من خبير أتقن عمله و خبرته أيما إتقان و نال مكانة و شهرة قل نظيرها، و حسب أن السعادة في المكانة و الشهرة فإذ به يواجه وخزات من البؤس تعكر صفو حياته!
فأين هي السعادة إذن ؟
التجارب و الواقع يخبرنا أن السعادة ليست في المال و لا في السيادة و لا في الشهرة،فرب فقير يقتات طول يومه على رغيف واحد ؛ تمر عليه و هو مبتسم ابتسامة هزمت كل ما به من جوع و مرض، و رسمت السعادة على وجهه لتوزعها في وجوه الآخرين.
و كم من غني يتكؤ على فراشه الوثير و يأكل من طعامه الطري الكثير ؛ ترى على وجهه ملامح بؤس لم تستطع مظاهر الترف إخفاؤها.
نبحث عن السعادة في الأشياء و نحاول أن نصنعها من مادة جامدة. نحاول أن نصنعها ببنايات شاهقة و مركبات فاخرة و ملابس أرقى ما تكون ؛ و جسم أجمل و أقوى دون أن ندرك أن بين جنبينا قلب صغير نابض ؛ يدق في الدقيقة أكثر من سبعين مرة ؛ هو من يحتاج أن ننظفه و نضبطه و نبنيه لنكسب السعادة.
فإطعامك فقير محتاج ليتبدد عنه شبح الجوع يكتب في قلبك من السعادة ما تعجز عنه تلك الأكلة الشهية التي تناولتها في فندق 5نجوم. و تفريجك لكرب أخيك الإنسان لتراه يفرح و يسر بذلك، يترك راحة في القلب عجزت عنها عشرات الانجازات التي قمت بها لنفسك.
أتدري كيف ذلك أيها الانسان؟
إن السعادة عند الله و بالله و من الله و الله لا ينظر إلى صورنا و لا إلى أجسادنا و لكن إلى قلوبنا.
عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم))؛ (رواه مسلم).
و كفى بالقلب سعادة ان ينظر إليه الرب نظرة رضى. فاملأ قلبك بالايمان و الإحسان لا بالمال و الشهوات ؛ تجد السعادة تغمرك.
لن يعكر صفو سعادتك مرض لأنك تحتسبه أجر تكسبه و وزر تمحوه و لن يصل قلبك حسد لأنك تعتبر ما عند الآخر عطاءاً من الله لحكمة هو أدرى بها ؛ فربما منع عنك الشيئ رحمة بك.
فالقلب المليئ بالايمان ثابت مستقر ؛ ملؤه الحب و السلام و القناعة و الرضى. فهو قلب خير و سعادة مطمئن في السراء و الخضراء.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم.
إذا أردت السعادة فاربط قلبك بالله و طهره بذكره، قال تعالى ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”فقط حين تربط القلب ببارئه تنال سعادة تحفظك في الدنيا و ترحمك في الآخرة ؛ سعادة مستمرة ؛لأنها سعادة إيمانية منبعها من معين التوحيد الصافي و أصلها الإيمان الراسخ . تصحبك و أنت كثير المال بالشكر ؛ و الإنفاق و رحمة الضعيف، و ترافقك و انت قليل المال بالرضى و الشكر و القناعة،و تذكرك و أنت قوي سوي بأخيك الانسان الضعيف السقيم لتؤازره، و تؤنسك و أنت مريض بلطف ربك و حسن تدبيره. تلك هي السعادة التي يجعلها الله في قلب من تعلق به. جعلني الله و إياكم ممن رزقهم الله سعادة الدارين