خُلُق الحياء سجية من أرقى السجايا الإسلاميّة الفاضلة، وهو حالة نفسيّة قسريّة عالية، فُطر وجُبل المؤمن عليها، وهي صنعته وعلامة إيمانه، لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الحياء شُعبة من الإيمان. وقال أيضاً: استحيوا من الله حق الحياء؛ إلاّ أنّ هذه الفضيلة تكادُ تغيبُ عمليّاً في المجتمع الإسلامي؛ وإن اهتمّ المسلم بهذا الخُلُق، فلا يُسلّطُه إلا على المرأة فقط، علماً أنّ خطاب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم واضح وجلي. ويستشهد بكلام الحق: وجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القوي الأمين. وليته فهم كل المعاني التي احتوتها هذه الآية، ولم يقتصر مفهومه على ما يُريد منها فقط. لذلك، فالحياء في المشي دليل على الحياء في القول، فالمرأة النقيّة تمشي على الأرض هوناً وبوقار، وعلاقتها بالجاهل علاقة سلام، إلاّ أنّ الحقيقة المرّة أن هذه الصالحة المُحتشمة التي وضعها المسلم تحت مجهره وخُدّر بها، ولا يملأ برنامج دماغه غيرها، وكأن الـ 114 سورة في القُرآن الكريم لم تتناول إلاّ موضوعها؛ أنّه لم يُقدّر هو نفسه التزامها برُقي هذه القيمة المشحونة بجمال الصبر وكظم الغيظ، وأدب الكرم والجوُد، بل كلّفها ما لا تُطيق ظُلماً سواء من طرف زميلها في العمل، أو من الأسرة، أو من القريب الذي يؤذيها بطول مدّة زيارته لها مستأنساً لحديث، علماً أنّ هذا التصرُّف كان يؤذي الرّسول صلّى الله عليه نفسه، وكذا، رفض الامتثال لأدب الإستئذان، ولا يلتمس لها عُذراً إن اعتذرت للمُستأذن لظروف تُكابدها تمنعها من استقباله، أو من زيارته، ويتعمّدُ إساءة فهمها، دون ذنب، إلاّ لأنّها تستحي !! علماً أنّ صوت الحق يقول: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا. وتجده للأسف يحترم صاحبة الصوت العالي الصاخب، التي تضرب برجلها الأرض، والتي لا يأمن الرّجال بوائقها. لذلك، وجب وضع دُرّة الحياء في مكانها الصحيح، ولا ينبغي خلطها بالخجل، لأنّ الخجل من الوقوف مع الحق في مواقف مُشرّفة يُعدُّ من العُقد المكبوتة والأمراض النّفسيّة، التي ينطق صاحبها عن هوى النّفس .ولا يُمكن للمؤمن القوي الكيّس الفطن الوسطي التفكير الذي لا يجرحُ أُذُن النّاس بكلمة تخدشُ الحياء، أن يحترم الإنسان السّلبي والسّاذج، الذي يُحدّق في عورات النّاس، ويُسلّط الضوء على الكاظمين الغيظ بالاستفزازات الجارحة، والتّعاليق القاسية على ما تقع عينه عليه، ويتعمّد تصيُّد أبسط خطأ عابر وغير مقصود كي يجحد كل الخدمات الإنسانية الخالصة لوجه لله التي أُسديت له، وفي هذا هدم خطير لقيمة الحياء، وهدر لكل القيم الدّينية والأخلاقية، ككراهية فعل الخير، واحترام الغير، والعفو عنه، وغيرها من القيم القُرآنية السامية، ممّا يُكلّف كاظم الغيظ نفسه أن يبذل جُهداً نفسيّاً مُضاعفاً وفق منهج إيماني ذكي جدّاً حفاظاً على عزّة النفس وكرامتها، التي تُؤهّله بدورها إلى الحفاظ على صفاء علاقته بالعزيز. والحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يقول: الحياء والإيمان قُرنا جميعاً فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر. ومرّ صلّى الله عليه وسلّم على رجُل من الأنصار وهو يعظُ أخاه في الحياء، فقال صلّى الله عليه وسلّم: دعه فإنّ الحياء من الإيمان. وعليه، فالحياء قوة وعزّة وليس ضعفاً، وقمّة درجات الحياء، أن يستحي المخلوق من خالقه في سرّه. لقول الحق: يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور. دون أن ننسى أنّ لوسائل الإعلام دور كبير في تثبيت خُلُق الحياء وترقيته، وتصحيح المفهوم الخاطئ لهذه القيمة الأخلاقية والحضاريّة التي تكادُ تغيب في المجتمع.وبناء عليه، لوتذكر الإنسان كم وكم ستر الحليم والصبور معاصيه، وكم تجاوز عن أخطائه، لاستشعر مُراقبة من ينتظر المُسيء بالنّهار ليتوب ليلاً، والمُسيء ليلاً ليتوب نهاراً، وعلم يقيناً أنّ الحياء = الاستقامة، وعلم أيضاً أنّ الحياء لا يأتي إلاّ بخير كما علّمنا عليه الصلاة والسّلام، ولاستحى حقّ الحياء من الذي يستحي أن يرُدّ يدي عباده وإمائه صفراً، وهو شُعور في أعلى مستويات الإيمان.