عندما تلوح بالأفق بارقةُ الأمل، تنتعش الأرض وتهتزّ طربًا في كلّ سبيل وسابلة. وليس ثمة أجمل من رؤية اجتماع القلوب على الخير في زمن التباعد، حيث فرضت كورونا نفسها زائرة تؤرق وتفرق.
إلا أنّ الهممَ والعزائم يستجلبها المبدعون في كل عصر وأوان، ويستحوذون على المقاعد الأمامية في مناقشة مستجدات الزمان والمكان، ويضعون أفكارهم، وما تمليه عليهم ضمائرهم من نصائح ذات بهجة للناس عموما ولأبناء مجتمعهم خصوصا.
وفي واحدة من بارقات الأمل، هناك جذوة اشتعلت بفكر مستنير، وبتشاور حصيف، وبرأي سديد، شعشع نورها في الصالون الثقافيّ الثالث، الذي أقامه مؤسسة الحياة المتزنة ممثلة برئيسها الفذّ د. أحمد سمير، وكلية البورك الإعلامية في الدنمارك ممثلة باأستاذ الدكتور/ عبدالكريم الوزان وأدار الحوار الإعلاميّ الدكتور/ محمد عبدالعزيز. فانبثق عن تلك الجهود المثابرة منتج أفروآسيٍّ يعدّ أنموذجا حضاريًّا تخطى التوقعات من كونه ورشة عمل عابرة، إلى فكرة للقارات عابرة، وعن سمو الكلمات معبرة، فهو لقاء تخطى عتبات المؤتمرات الاستثنائية المتميزة بشتى المعايير وأدق المقاييس، كيف لا؟. ونحن رأينا قامات شامخات تحسن الإصغاء كما تحسن الكلام، وإذا نطقت تحدر اللؤلؤ والجمان من فيها، بدقة المعلومة، وفصاحة العبارة، والخبرة في الأداء.
وبدأت قصة النجاح الباهر في لقاء: “الإعلام بين معاول الهدم وأدوات النجاح”. حيث اجتمعت أنجم في سماء الكلمة الناصعة، والنظرة الثاقبة، والفكرة بعيدة المدى، ليُدلوا بدلائِهم من بحر عرمرم، تتجاذبه أمواج الثقافة، للحديث عن إعلام اشتد بروزه، وأبقع انتشاره، وأصبح كالشمس نمشي تحت ضيائها، فإذا ازددنا منها قربا ازدادت لنا لظًا، وإذا ابتعدنا أقصانا الظل فانحدر بنا ذات اليمين أو ذات الشمال.
وفي ظلال الصالون الثقافي، كان للحوار معنى، وللنقاش فائدة ذات جدوى، وهناك أدار الحوار د. محمد عبدالعزيز، الذي راح يناقش الأفذاذ بأوراقهم العلمية بحرفية عالية، ولن أحيد عن الصواب إذا قلت: إنّ اللقاء كان مفعما بالروح الرياضية العالية، وبالهمّ الإنسانيّ بين المشاركين والمشاركات عموما. وقد لفت انتباهي أمور منها:
أولا: التواضع الذي كان سمة ظاهرة من جميع المشاركين والمشاركات، فكلهم أصحاب أقلام وعقول، ولا يبالي أحدهم أن يجلس ثلاث ساعات متواصلة مستمعا أو متكلما أو محاورا.
ثانيا: الامتلاء المعرفي: فالمشاركون والمداخلون كانواأصحاب علم وافر، وخبرات واسعة.
ثالثا: الهمّ والاهتمام: نستشعر ذلك من خلال التعبيرات والحسّ المعنوي، والاهتمام البالغ لتصحيح المفاهيم المغلوطة وتصويبها لبناء الجيل الواعي.
رابعا: عدم الفئوية: فلم أستشعر أن أحدهم يسوق فكرة ما ليغرف إلى إنائه دون الآخر، بل الهمّ والوجدان الإنساني للحضارة الإنسانية كان موجودا.
خامسا: أدب الحوار: فقد شاركت في قرابة أربعة عشرة مؤتمرا، وقلما ينقضي مؤتمر بالوفاق كالذي حصل في الصالون الثقافي.
سادسا: العمق في الفكرة: فمع أنها أوراق نقاشية وأنه صالون ثقافي، إلا أنّ الدسم كان موجودا مع كل ورقة نقاشية.
سابعا: طول النفَس: فقد تمتع الجميع بقوة الشكيمة والحرص على الوجود حتى اللحظات الأخيرة.
ثامنا: الإعداد المسبق الرائع في زمن قياسيّ، والحوار المتزن، ويكفينا دليلا طباعة وتوقيع الشهادات والدعوات لأصدقاء المشاركين.
وأخيرا.. من صميم القلب سأبقى أتذكر هذا الصالون الثقافيّ، وأتمنى أن يكون أنموذجا يحتذى، لأن الحوار الهادئ يوصلنا إلى الهدف من أقرب طريق، ويسهل لنا العبور إلى جادة الصواب والشـروع في العمل، ليكتمل الأمل الذي نتطلع إليه.
فكل الاحترام والتقدير لأصحاب الأوراق النقاشية، من القامات العلمية التي أفخر أنني صحبتهم لسويعات هي أغلى من شهور ودهور. وأستميحكم عذرا جميعا لأنني لم أوفيكم حقكم ولقد كنت أتمنى أن أذكر كلّ واحد منكم باسمه ولقبه ومكانته.
ولكن.. من أخلاقكم وكرمكم اعتبروا هذه المقالة بمثابة إجلال وإكبار لكل واحد من المنظمين والمنظِّمات والمشاركين والمشاركات ثم الحاضرين والحاضرات. (واسلمي يا ديرة العزّ.. يا ديرة هَلي). ومن عمان العروبة إلى أهل العروبة.. أجمل سلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.