للأسف أصبحت تسود بعض الشعوب فلسفة الانحطاط ، وكأنها أشربت هذه الفلسفة ، والسؤال من فعل فعلته بها ؟ إنها ثنائية الاستعداد والتطبيق ، عندما جاء الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بفكرة التوحيد ( لا إله إلا الله ) فكرة متكاملة لا تشوبها الخروقات العقلية التي تمكن المتلقي للفكرة نقضها ، فقريش كانت تقول وتؤمن بفكرة أخرى مفادها (الأصنام تقربنا إلى الله زلفى ) فالعقل لا يقبل بما فطره الله خلقة هذه الفكرة إلا مكابرة وعناداً ، فاستدلال الإنسان على وجود الله بالحجج العقلية ، فكيف ممكن للحجارة ومخلوقات الله أن تكون إلهاً للإنسان وهو صانع لها بيده ؛ لذلك كانت فكرة الرسول متكاملة ضمن المعادلة العقلية ، ناقضة لفكرة الجاهلية ، وربما تتبنى المجتمعات أفكاراً مغايرة وتنهض على أساسها ، فالغرب قد تبنى فكرة ( لا إله إلا الله والكون مادة ) فنهض على أساسها ؛ لذا ظهرت الرأسمالية ولليوم فإن هذه الفكرة تقود المجتمع الغربي ناهضة به نسبياً، فهو منهج وضعي يشوبه النقص ؛ لأنه من وضع البشر استغنى عن المنهج الإلهي وعده قاصراً عن تدبير شؤون عباده ، فالنظام الرأسمالي قائم مطبق في الحياة الغربية سينهار يوماً من الأيام كما انهار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي ، إن الحياة الإنسانية كما أرادها الله قائمة على ثنائية الروح والجسد ، فأي نقص في أحدها يحدث الخلل، أما بالنسبة للمجتمعات الواقعة في دائرة الحروب والأزمات والانحطاط ، فقد تأرجحت بين منهجين متغايرين ، المنهج الإلهي ، والمنهج الوضعي ، مارست فهم وتطبيق المنهج الإلهي آخذة بتعميق فكرة التطرف ، والابتعاد عن الوسطية والاعتدال في تبني الفكر الديني منهجاً للحياة ، ولم تحسن تطبيق المنهج الوضعي الذي يطبقه الغرب بنجاح من خلال سيادة القانون على حساب الروح الإنسانية التي يعطيها الإسلام مكانة حيوية، واحترام الحريات ، وممارسة الديمقراطية بشكل طبيعي ، لا يمكن أن تنهض الشعوب بهذا الفكر الهجين الذي يمزج بين منهجين متغايرين ؛ لذلك ستستمر المعاناة وسفك الدماء ، وضياع الحقوق لحين إحداث التغيير . إن مرارة هذا الواقع تنسحب بشكل عام على كل مفاصل الدولةوالمجتمع ، فلا نهضة ولا تطور في ظل تناسل أهل الفساد وورثة الشياطين الذين يتسترون بعباءة الدين لتفعيل فسادهم ، والمجتمع يمارس الصمت ، لوجود حالة ثنائية الاستعداد والتطبيق لهذه الفكرة ، يقول روزنتال: ( يعتبر الصمت عند وقوع شيء ما مهم ضرباً من الكذب ) فالمجتمع يمارس الكذب على ذاته وحضارته. إن فلسفةالانحطاط أصبحت نابضة في المجتمعات المنحطة فكرياً ، وهو مرض مزمن ينخر جسد الأمة ، والسبب يحيلنا إليه الحديث النبوي الشريف ، عندما سال احد الصحابة رسول الله عن الساعة فيما ورد في الحديث عن أبي هريرة (t) أنه قال : }بَيْنَمَا النَّبِيُّ e فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ e يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُإلىغَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ{ . وكما يقال : الحر تكفيه الإشارة .