جبر الخواطر يقي من المخاطر، كلمة جميلة جداً لكن تعالوا في يوم عرفة – خير يوم طلعت عليه شمس، اليوم الذي يباهي الله فيه ملائكته بعباده الطائعين- أذكر نفسي وإياكم بعدد من المعاني من باب فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
ولقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون جبر الخواطر عندما علم بحزن سيدة عجوز كانت تتمنى الصلاة خلف النبي ولا تستطيع فذهب إليها مع خادمه وصلى بها في بيتها جبراً لخاطرها، لذلك يعد جبر الخاطر من الصفات الجميلة التي يجب أن يتحلى بها المسلم وهي ليست حكراً على المسلمين بل هي صفة من النبل البشري يمكن أن تصدر عن غير المسلمين بالطبع، لكن لأنها مرتبطة برقة ونقاء القلب فحري بها أن تكون لدى المسلمين وهي في النهاية صفة جميلة يمنحها الله قلوب من يرضى عنهم من عباده، فكاسرو الخواطر ما أكثرهم في الدنيا وهم يظنون أنهم على صواب هدانا الله وإياهم حسن الفهم ونقاء القلب.
وتعالوا في مستهل المقال نتعرف على معنى جبر الخواطر : أي رسم البسمة على الشفاه وإدخال البهجة على القلوب ورفع معنويات الإنسان وحثه على إكمال مشوار الحياة بهمة عالية.
أما عن أشكال جبر الخواطر : بسمة صادقة، كلمة طيبة، نصيحة أمينة، موقف نبيل ، ونسوق هنا عدداً من الأمثلة على جبر الخواطر تتمثل في:
من يرسم البسمة على شفاه غيره أسعد قلبه بابتسامته فكان جبراً للخاطر لا يفوتك.
من يفسح لك الطريق في الشارع ابتسم في وجهه فهذا جبر للخاطر ، لا تجعله يفوتك.
من يؤدي لك خدمة ما، قل له جزاك الله خيراً تكن قد جبرت خاطره فلا يفوتك ذلك.
من يقع في مشكلة ويطلب رأيك فاعطه النصيحة الأمينة فذلك جبر للخاطر لا يفوتك.
من يحتاج مساعدتك ولديك القدرة فلا تتأخر عن دعمه فذلك جبر للخاطر لا يفوتك.
عندما تشتري شيئاً من شخص فقير وتعطه زيادة عن السعر هذا جبر للخاطر لا يفوتك.
عندما تساعد صلة رحمك أو جارك في عمل ببيته فذاك جبر للخاطر يحمده لك الله.
عندما تفاجئ أهلك بهدية يحبونها فهذا جبر للخاطر لا تجعله يفوتك.
عندما توزع بعض الحلوى البسيطة على الأطفال فهذا جبر لخاطر الصغير وكبيره.
عندما ترفع معنويات شخص بائس محبط من حياته بطاقة إيجابية هذا جبر للخاطر.
عندما تزور أبناء أخوالك وأبناء عمومتك وصلات رحمك لوجه الله فذاك جبر للخاطر.
عندما تجد يائس يشعر بالفشل وتشجعه وتقول له إنه يستطيع أن ينتصر فهذا جبر للخاطر.
وهناك قصص عديدة لجبر الخاطر ، أذكر منها ما ورد عن الإمامين أحمد بن حنبل ومتولي الشعراوي رحمهما الله، فالإمام أحمد بن حنبل كان يدعو دائماً لشخص يدعي أبا الهيثم، فسأله ابنه من هو أبو الهيثم الذي تدعو له دائماً، قال له عندما سُجنت وكنت أتجهز لكي أُضرب بالسوط كان هذا الرجل معي في السجن، شدني من ثوبي وقال لي أتعرفني فقلت له لا فقال أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضُربت ثمانية عشر ألف سوط وصبرت على هذا من أجل الدنيا ومتعتها، فاصبر أنت علي السوط من أجل الدين.
فكانت تلك الكلمات من أبي الهيثم للإمام أحمد بن حنبل دافعاً له لكي يصبر على التعذيب وكلما شعر أنه تعب من كثرة التعذيب تذكر كلمات أبي الهيثم فكلماته جبرت بخاطره طوال سجنه وساعدته لكي يصبر حتى نصره الله على أعدائه.
وظل الإمام أحمد طوال حياته يذكر كلمة الرجل له التي قوت عزيمته وجبرت خاطره فيدعو له على معروفه الذي يمكن للبعض أن يعتبره كلمة بسيطة لا قيمة لها.
وقصة أحد الأطباء عندما سأل الشيخ الشعراوي عن أفضل الأعمال التي يتقرب بها لله فقال له الشعراوي جبر الخواطر، فسأله الطبيب عن الدليل، فقال الإمام: لا يوجد شخص ملعون أكثر ممن لا يؤمن بالله ورسوله، ويقول الله- تعالى- أرئيت الذي يُكذب بالدين؟!
“فذلك الذي يدُع اليتيم” أي يكسر خاطر اليتيم .. ولا يحُض على طعام المسكين، يعني يطرد المساكين ولا يجبر خاطرهم، وقال الله في الثالثة “فويل للمصلين”، فجبر الخواطر جاء مرتين قبل الصلاة.
وفي يوم من الأيام وبعد أن انصرف الطبيب من المستشفى وردته مكالمة من جاره الذي يعالج أمه في نفس المستشفى يطلب منه أن يزور أمه ليطمئن على صحتها، فاحتار بين أن يعود إلى بيته أو يلبي نداء جاره لجبر خاطره فتذكر حديث الشعراوي فقرر العودة بنية جبر خاطر جاره، وبمجرد وصوله إلى المستشفى أصيب بجلطة في الشرايين، فأحاطه الأطباء وعالجوه سريعاً.
ولما أفاق قال الطبيب: أن تلك الجلطة إن كانت حدثت له في أي مكان غير المستشفي لكان مات في غضون 5 دقائق، لأنه لا يوجد أي شخص يتحمل جلطة في الشريان التاجي لمدة تزيد عن ٥ دقائق، وأدرك الرجل أنها كانت مكافأة الله له لأنه عاد ليجبر خاطر جاره، وحدث تطبيق عملي لمقولة “جبر الخواطر يقي من المخاطر “
كلمة جميلة هي جبر الخواطر يقي من المخاطر ، لكن الأجمل منها تقدير وتوقير من يجبر خاطرك، فالبعض يستكثر كلمة الشكر على أبيه وأمه وإخوته ظناً منه أن جبرهم لخاطره فرضاً عليهم، لكن ليتذكروا أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فبشكر الله تدوم النعم والناس خلق من خلق الله جبلوا على حب كلمة الشكر .
وعلينا أن نتمتع بمساحة واسعة من الرضا والقناعة ، فابتسامتك في وجه أخيك صدقة وجبراً للخاطر لا تستهين بتأثيرها عليه ، وكلمته الطيبة لك صدقة وجبر للخاطر فلا تستهين بها، وموقف نبيل داعم لك من أخيك صدقة وجبر للخاطر فلا تحقره وتنظر إليه أنه قليل، وانظر إلى نفسك ماذا قدمت له قبل أن تحقر ما قدمه.
علينا جميعاً تفقد أحوال أهلنا وصلات أرحامنا كما أمرنا النبي – عليه الصلاة والسلام – واعلم أن ليس الواصل بالمكافئ نصلهم وإن قطعونا – إن جبر أهلك خاطرك فاجبر خاطرهم بأن تكون ممتناً لهم شاكراً لأبسط ما يقدمونه، فالنكران صفة ذميمة تفقد الناكر الناس من حوله تباعاً وسخطه على الآخرين يزيد الحياة عليه شقاء – إن جبر أهلك خاطرك فاجبر خاطرهم ، وإن لم يفعلوا فالتمس لهم الأعذار وابدأ أنت بالخير معهم، وهكذا الحياة “قصيرة” فكن صافياً نقياً تقياً ، فجبر الخواطر يقي من المخاطر ورب ابتسامة صغيرة حلت مشكلة كبيرة.
وعلينا أن نعلم ثقافة جبر الخواطر فهو عمل نبيل يستوجب أن نذكره من باب أن تعم الخصال النبيلة وينتشر الخير والقدوة الحسنة، فهناك صدقة تخفيها وجبر للخاطر تظهره لعموم الفائدة وليتأسى بك الغير .
الحياة قصيرة، لنجبر فيها خاطر بعضنا البعض ، لنستدفئ في صلات أرحامنا وليعذر بعضنا البعض وليسامح بعضنا البعض ولنغمض أعيننا عن زلات بعضنا البعض فكلنا ذو تقصير ومن منا كامل، نقوا قلوبكم واجعلوا من يوم عرفات فرصة لتنقية النفس، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، أدخلوا السرور على قلوب أمهاتكم وأبائكم وإخوانكم وأخواتكم وزوجاتكم وعماتكم وخالاتكم وكل صلات أرحامكم وجيرانكم على اختلاف أديانهم.