نظرية جديدة يطرحها د.محمد عبد العزيز
هل نظن أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – معلم البشرية الأول حينما يوصي بالعناية بالأم وتقديمها على الأب ثلاث مرات ، أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ، هل نظن ذلك يأتي إلا من عظيم ، فبالنظر والتدقيق الفاحص في هذه الرواية أستطيع أن أقدم نظرية جديدة أسعد أن يشاركني القراء الأعزاء بها عبر هذا المقال . من الثابت أن البناء السليم للفرد القائم على إكسابه العلم النافع والاهتمام بتوعيته بشكل صحيح ومن ثم تزويده بالخلق القويم المستمد من الشرائع السماوية لاسيما خاتمة تلك الشرائع وهو القرآن العظيم ، من الثابت أن ذلك البناء هو أساس بناء سليم للأمم.
وتاريخنا عامر بشواهد عديدة على ذلك ، فبنى الرسول الدولة الإسلامية وظلت قوية فتية مئات السنين قبل أن تتوارى شيئا فشيئا حتى الانحسار لأسباب عديدة في مقدمتها الابتعاد عن البناء الصحيح للفرد . والجديد في الأمر هو تقديمي بناء الأنثى على بناء الذكر ، أعلم أن المجتمع يقوم على كفتى ميزان الرجل والمرأة ، لكننا نحيا في مجتمع عربي ذكوري منذ آلاف السنين ، فقبيل الإسلام كانت جزيرة العرب ترتكب جريمة وأد البنات أحياء ، وجاء الإسلام ليجرم ذلك ويحرمه ويشرع حقوقاً للإناث ويؤطر العلاقة بين أفراد الأسرة ، لكن سرعان ما عاد المجتمع العربي لذكوريته فباتت أمماً تحرم الإناث من الميراث وتحول من دون حقوقها الاجتماعية المختلفة وتنظر إليها نظرات دونية ، تعمق لمساحة أكبر للرجل وبسط لهيمنته على الحياة ما أسهم في إفساد المنظومة الاجتماعية في السواد الأعظم من المنطقة العربية ، فما أراها إلا صورة من صور إرث أجدادنا في جزيرة العرب ووأد الإناث أحياء . إني أرى أن تراجع دور الأسرة المسلمة في حسن التعاطي مع الإناث وتفضيل البنين عليهن كان لبنة في بناء نظام شكل معول هدم لكثير من المجتمعات ، أرى أن البنت مقدمة على الولد في ضرورة اهتمام الأسرة بها وحسن تنشئتها بالقدوة قبل الكلمة ، فسلوك الأمهات أمام البنات منذ نعومة أظافرهن خير رسالة تربوية لهن ، خير من ألف كلمة للأمهات ، إن البنت لو صلحت ونشأت على تشكيل سديد ستكبر وتشكل هي أيضاً أسرة وعائلة سديدة وهكذا تسير الأمور في متوالية بشكل متوازي ، فنصل بعد مئة عام إلى مجتمع ناهض يرتكز على تنشئة صحيحة للبنات التي تعد نصف المجتمعات وتلد النصف الآخر .
إن صلاح البنت بعيد سنوات قليلة يصبح صلاح أم ومن ثم صلاح أبناء . إن النبي الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلم – حينما أوصى بالأم ثلاث لم يكن إلا رسالة مفادها أن الأم هي أساس بناء المجتمع القوي .
إني أرى أن الأم الواعية تستطيع أن تعوض دور الأب اللاهي ، الأب الغائب ، الأب المقصر ، الأب الضعيف ، وليس العكس فالرجل لا يستطيع أن يعوض دور الأم المقصرة أو اللاهية أو الضعيفة أو تلك التي نشأت بشكل غير سديد ، فلم ترى من أمها قدوة حسنة وبالتالي لم تكن هي حسنة فينعكس ذلك على البنات قبل البنين فيضرب المجتمع في مقتل بسبب سوء قدوة غابت عن الأسرة بغياب الأم القدوة .
إن الأم القدوة تسهم في بناء مجتمع قوي فتي ، وتكتسب الأم القدوة منذ تفتح عينها على أم قدوة ، وهكذا في سلسلة لا تنتهي أساسها رعاية الإناث وتقديمهم على الذكور وليس العكس . وبعد توضيح هذه النظرية أعود للتأكيد على الشباب أن تمهلوا وتريثوا كثيراً ودققوا قبيل الزواج ، تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ، ابحث عن جدة ثم أم من تفكر في الزواج منها ، كيف كانت حياتهم ، كيف كانت تنشئتهم ، لا تتسرع فأنت تبني لنفسك في الدنيا ولد صالح ” والمقصود هنا ليس الولد فقط بل الولد والبنت لأن كل مولود يسمى ولد ” تبني لنفسك ما سوف تتركه من ولد صالح يدعو لك ، فاعمل لذلك اليوم واحرص على أن يخلفك في الدنيا من يعمرها بالخلق القويم والسيرة الطيبة والدعوة الصالحة لك ، لا تتعجل الاختيار ففي العجلة الندامة في كل شيء لاسيما في الزواج .
وفي نهاية المقال أوجه رسالتين :-
الأولى إلى شباب أمتنا … أنتم سواعد نهضة أمتنا ، اظفروا بذات الدين تربت يداكم ، دققوا جيداً لا تتعجلوا لأن اختياركم الصحيح هو أهم أدولات نجاحك في الدارين ومن ثم نجاح وقوة المجتمع .
أما الرسالة الثانية فموجهة إلى بناتنا من المقبلات على الزواج … اجعلي من خلق الرجل ودينه الأساس في اختيارك حتى يقدم القدوة لأبنائه بعد ذلك ، وبعد انجابك قدمي القدوة لبناتك وأحسني تعليمهن وتربيتهن تربية سديدة ترتكز على تعاليم الدين ، علمي بناتك أنهن أساس الأمم القوية ، علميهن كيف يكون تقدير وتوقير الزوج والأب والأخ ، كوني قدوة حسنة لهن فإن فعلتي فلا تثريب عليك تكوني قدمتي لنفسك خيراً كثيراً تتذوقينه في الدنيا والآخرة – إن شاء الله – ، وإن لم تفعلي فستكونين قد ارتكتبي جرماً ليس أقل من جرم أجدادك في جزيرة العرب الوائدين للبنات أحياء ، وستكون حسرة وندامة تلاحقكي حتى بعد مماتك لأنك ستتركين للدنيا ضحايا يعانون ويعاني منهم المجتمع .