علي الرغم من أن أهم علامات الإصابة بفيروس الكورونا (covid-19) هي حدوث فشل في التنفس، الذي يوصف غالباً بضيق شديد في الصدر، أو صعوبة في التنفس، أو شعور بالاختناق. إلا أنه لحكمة القدر هو نفسه الفيروس الذي تسببت آثاره في أن تتنفس الشاشات العربية لأول مرة، منذ عقود. بعيداً عن (سعار) قطيع المسلسلات الدرامية المصرية والخليجية والسورية والمدبلجة، خلال موسم رمضان الذي بات قبلة منتجي الفن للحصول علي أعلي نسبة مشاهدة.. لكن جاء كورونا، واختلفت المعادلة.
فمنذ ظهور وباء كورونا توقفت مسلسلات عن التصوير بسبب إجراءات العزل والحظر، واختفت كمية (البروموهات) الدعائية لأهم لقطات الأعمال التي كانت تبدأ بحملات كالسيل قبل رمضان.. برمضان.. وأصبح الشغل الشاغل للمنتجين هو البحث عن (القائمة الناجية) من الأعمال الدرامية التي تم تصويرها قبل احتياج فيروس كورونا لمسلمات الحياة الطبيعية التي كنا نظن أنها لن تبور.. لتدخل الدراما المصرية بـ٢٠ مسلسل في موسم رمضان 2020، بينما يعيش صناع الدراما حالة من عدم اليقين بين الاستمرار في تصوير أعمالهم المنتظرة أو وقفها حتى الآن.
ففي الوقت الذي تتداول فيه وسائل إعلام مصرية خبر إيقاف تصوير عدد من الأعمال منها “الفتوة”، و”خيط حرير” للفنانة مي عز الدين، و”أسود فاتح” لهيفاء وهبي، و”ليالينا” لغادة عادل وإياد نصار، و”سلطانة المعز” لغادة عبد الرازق.. وتغير مزاجية المشاهد الذي يعاني تزايد الأعباء المادية والضغوط الاجتماعية بسبب إجراءات الحظر وغلق مصادر الرزق فيما لازالت تصر قوالب الدراما العربية على تقديم نفس (الخلطة) التي تخلط تحقيق الأحلام بالقفزات السريعة والبطولة الشعبية بالبلطجة، ولا غني عن تقديم إسقاطات وأفكار لها أكثر من غرض.. لتشتعل حرب جديدة بين المشاهد والمنتج والنجم صاحب الشهرة.
فمع تصاعد الآراء المطالبة بتخفيف جرعة المسلسلات لتتماشي مع إجراءات التقشف، واحتراماً لبيوت عربية يخطف فيروس كورونا عوائلها و زهرة شبابها وتقديراً لدور “الجيش الأبيض” الذي يحارب في البلاد العربية بأقل الإمكانات وظروف عمل خطره، خرجت تصريحات ساخرة من أحد المنتجين المشهورين رداً على هذه الدعوات بجملة مبطنه بالسخرية ” الناس فاكرينا في المراجيح”.. وتبعته ممثلة مصرية معروفة بفتوى “نحن نجاهد في البلاتوهات من أجلكم”! وتبدأ حرب الردود بين لاعب كره شهير والمنتجين حين أطلق تغريدة تقول ” هناك الآن من يعملون على إفساد رمضان عليك “.. لتنهال عبارات السخرية بين من الأهم لاعب الكرة أم الممثل!
يبدو أن منتجي الأعمال الدرامية يكشفون الآن عن وجه صناعة شرسة لا تعترف إلا بعائدات المشاهدة خلال شهر رمضان بعيداً عن أي دعوات إنشائية تروج أن “الفن رسالة” يجب أن تتضامن مع المجتمع في محنة عالمية سوف تذكرها كتب التاريخ.. فنحن نبدأ شهر رمضان في ظل حرم مكي مغلق.. ومساجد خاوية على عروشها وشوارع تسكنها ظلمة ساعات الحظر وظروف اقتصادية بدأت ولا نعلم كيف ستنتهي ومستشفيات في حالة طوارئ مستمرة وحصيلة وفايات من كل الأعمار، فيما يواصل “كوكب” المنتجين والفنانين والفنانات الذين يتباهون بأجور تصل لملايين الملايين ومزيد من الشهرة في التبرير وتغفيل المشاهد باسم (التسلية خلال الحظر).. والحصيلة تخمة جديدة تضاف إلى ما سبق، ويظل الأمل في مشاهد يعي حقيقة مفردات ما نعيشه وما يريدونه هم بحق.