هناك العديد من المفاهيم التي تغيرت -أو ستتغيّر- نتيجة لأزمة فيروس كورونا، ومن ذلك: (نظرتُنا إلى الحياة). فقد كانت الآمال تنبني على الصعيد الشـخصي، أما اليوم فالوطن مسؤولية الجميع، والتفاني لأجل آماله أولاً، وتبددت –أو ينبغي أن تتبدّد- كلّ الحريات الشخصية التي تساعد في انتشار الوباء.
وفي الحديث عن النبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم: “لا يورد ممرض على مصحّ”. فهذا قانون في منع المصاب أن يقترب من غير المصاب، وكورونا لا تظهر فيه الأعراض، فيتوجب التزام البيوت لسلامة الناس أجمعين، لأنه: “تنتهي حريتك عندما تبدأ سلامة الآخرين”. فقد طرأ تغيُّرٌ عميق على الثقافات المحلّية، في زمن تجري كورونا بما لا تشتهي الأمم.
وقد أصبح الوعي المجتمعيّ ضرورة تعمل في إطار الدفاع عن الوجود البشـريّ، باتباع التعليمات الأمنية والطبية التي تعمّ أفراد المجتمع، فهي (كشفية الطبيب الموحدة) وبالعقل الجمعيّ نسيـر نحو السلامة بالمنع من التجوال لأنه علاج يمنع الجائحة أن تأخذ راحتها وحريتها.
في زمن كورونا أصبح الضغط يمنع الانفجار، ويفتح الأمل بالإنفراج. وفي معمعة الاحتراز من الوباء، الذي اخترق الحدود، وحدّ من حرية التنقل، أصبح الضغط يولّد (الانفراج). فعلى قدر الضغط تأتي العزائم.
وفي ميدان التحدّي مع فيروس غامض، لم ينفع معه حلوٌ ولا حامض، ولا واقف معه أو عنه راكض. وجب على الفرد والأسرة التخلي عن الخروج من المنزل، والتحلّي بالصبر بعدم الاقتراب من الآخرين، وتقليل المتطلبات غير الأساسية، والانتقال بعد سماع الأخبار إلى تطبيق تعليمات إدارة الأزمات، فاستمرار الحياة له ثمن، وتجاوز المحن لا يقدّر بثمن، والضغط بالقوانين الملزمة للحظر، من شأنه أن يولِّدَ الانفراجَ المرتقب.
وأما التداعيات في الإبقاء على الحريات كلٌّ على ليلاه، فهذا ليس من شيمة أهل العزم والحزم، ولا يأمر العقل به. فانتشار الوباء في أصقاع العالم، أوجدَ: (الحزن العالميّ) نتيجة حصده أرواحاً من بلاد شتى دون التفريق بين لون أو جنس، ولعله الحزن الأول من نوعه على مستوى التاريخ، بسبب الشعور أننا جميعاً أمام تحدٍّ جماعيّ مشترك في مواجهة الجائحة.
وإذا أردنا أن نأخذ من تجارب الدول، فإننا ننتظر نهاية المطاف والنتائج التي عمل لأجلها، والأهداف التي حققها، حتى يصبح ذلك المجتمع قدوةً للآخرين، وتلك مكانة تتنافس عليها الأمم الرائدة، فليمسك كلّ واحدٍ بزمام مسؤوليته، وننتقل من التنظير إلى تحمّل المسؤولية، فالوطن مسؤولية الجميع وسلامته فوق كلّ اعتبار.
وقد قالوا قديماً: “الشجاعة صبر ساعة”. ومن الشجاعة أن نجعل قلوبنا أقوى من المواقف، ونقف صفًّا واحدًا أمام القلق والأرق والخوف، فتلك أعداء قد تتسلل علينا من خلف الجبل، فلنحصّن أنفسنا ونتسلح بالإيمان بالله تعالى، ونقرأ سيرة النبيّ محمد وسائر الأنبياء عليهم السلام جميعاً.
فالبطل الحقيقي اليوم هو الذي يسـير خلف قيادته نحو السلامة، فالأمر لا يحتمل الخطأ.