تجول بين الحركة والصمت، والواقع والخيال، “كلمات” تتعدى مجرد النطق بالحروف المتشابكة، تتشبع في النسيج المجتمعي، وترتبط بالفكر الإنساني، بتأثير عجيب على مرّ العصور، وبين المفاهيم الدينية والطبائع المجتمعية، تتغاير الكلمات لتقع كثيراً بين المطرقة والسندان، وتطغى الكلمة أحياناً كأداة للقوة والنفوذ، أو تُعرّي واقع الهيمنة والطبقية المجتمعية كشكل من أشكال “العنف الرمزي”، والتي يعتبرها بيير بورديو (Pierre Bourdieu) نوعاً من آليات السيطرة والتنافس، التي تنتقل من جيل لآخر، وفي المقابل تلامس “الكلمة” الإحساس المحفز للوجدان، على شكل طاقة إيجابية، ترفِـدُ الذات بحوار جميل مع العالم الخارجي، هذه الإيجابية لا تقتصر على كلمة الإنسان مع ذاته فحسب، بل تتعدى منعكساً ممن يتعاملون مع الأشخاص الإيجابيين الذين ينقلون للآخرين بكلماتهم شعور الارتياح والمحبة والهدوء والطمأنينة.
وتزيد مسؤولية “الكلمة” في الضبط المجتمعي عندما تكون موجهة للجمهور، ولذا كان لا بدّ من المؤهلات الكافية لمن يعتلي المنابر ليقدم الكلمة، وأن يُحسن وزنها في نطاق الوضوح البعيد عن التكلف والاحتمالية، التي توقع الصدامات، وتثير البلبلات، وتنشر الريبة والشك، والحنق والكراهية، فمن هدي المصطفى ﷺ: أنه إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثاً، ليُفهمَ عنه، وأنه سمعاً يوماً رجلاً يخطب بكلام بعيد عن الأدب، فقال له موبخاً: “بئس الخطيب أنت”..!!
جاء في كلام الحكماء: كلام المرء ترجمان العقل، فاقصره على الجميل والقليل، فمن كثر كلامه كثر سقطه، إنها الكلمة؛ ميزانها أمرٌ جليل وأثرها جد خطير، فكم من كلمة رَفَعَتْ وأخرى خَفَضَتْ، وكم من كلمة أحيَـتْ وأخرى أماتَـتْ، وكم من كلمة أَلْهَمَـتْ وأخرى ضَيَّعَـتْ، والعاقل من يزن كلامه ويدرك أن لكل مقام مقال، وأن الكلمة في موضع الصمت عبث، فإن نطق بحقها وميزانها كانت كلمته طيبة:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.
د. سونا عمر عبّادي الأستاذ المساعد في القضاء الشرعي والتحكيم ،جامعة العلوم الإسلامية العالمية- الأردن