قرابة ثماني مليارات نسمة على وجه هذه البسيطة عاشوا طوال شهري فبراير ومارس من العام الحالي 2020 ولا يزالون في فزع تام بسبب انتشار فيروس COVID-19 المميت كالنار في الهشيم ، وتتجه أنظار الغالبية العظمى منهم صوب شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة – خاصة بعد الحظر المنزلي الذي أقرته عدد من الدول – للمتابعة الحثيثة لتطورات الموقف ، ولما لا وقد بات يجتاح أكثر من 170 دولة حول العالم بعد أن بدأ في ولاية وهان في الصين وأعلنت عنه منظمة الصحة العالمية يوم 30 يناير الفائت ومن نتائجه حتى 25 مارس أنه أودى بحياة 20 الف إنسان من إجمالي 450 ألف حالة مصابة تشافي منها 150 الف حتى 24 مارس .
وتفرض علينا المعطيات الدولية الأخيرة العديد من التساؤلات ، أذكر منها في هذا المقال سؤالين ، الأول: حول ما إن كان هذا الوباء إنذار من الله – سبحانه وتعالى – للبشر للعودة إليه وحفظه بعد أن طغى الفساد في البر والبحر وأصبح الظلم عنواناً رئيساً يعم السواد الأعظم من هذه البسيطة ، وأتفق مع هذه النظرية رغم أن العودة إلى الله واجبة في كل وقت وحين ، لكني أراها باتت ضرورة ملحة بعد أن زاد طغيان البشر وظن بعضهم أن بوسعه التحكم في كل شيء ، فكان هذا الوباء – وإن صحت التحليلات المشيرة إلى كونه مؤامرة – كان رسالة من الله – سبحانه وتعالى – للبشر كافة ، ولهذا الصنف من الظالمين العتاة خاصة ، مفادها أن الدنيا ما بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء ، وأن النصر مع العودة إلى الله وحسن التوكل عليه وحفظه – احفظ الله يحفظك – إذن هو إنذار في ثوب رسالة علينا فهم مضامينها جيداً.
أما السؤال الثاني : فيتعلق بصحة نظرية المؤامرة الدولية في هذا الوباء من عدمه ، وهنا لا يمكن استبعاد الفرضية المنتشرة بأن التفشي الحالي للوباء يمكن أن يكون سلاحًا بيولوجيًا محتملاً، فمع إعلان الصين يوم 19 مارس قدرتها على التحكم في انتشار الوباء واكتشافها لقاح مضاد ، ومع إعلان مماثل من الولايات المتحدة الأمريكية يوم 21 مارس يحمل معنى قريب ، نجد أنفسنا تميل إلى أن التهويل الممارس بواسطة التضليل الإعلامي الأميركي ومعه زبانيتة في الدول المنبطحة ، والفزع من الوباء كان جزءاً من هذه الحرب الإعلامية وأمر مفتعل من القوى الاقتصادية العظمى في حرب ضروس بينها ، حرب على السيادة الاقتصادية ومافيا تجارة الأدوية في تناطح بيوكيميائي وبيولوجي وتنافس غير شريف بين أميركا والصين ، وهذه الحرب القذرة بين العمالقة لا يعنيها أن يكون وقودها دول العالم الثالث – وهذا الرأي ذهب إليه العديد من المفكرين مؤخراً وأميل إلى صحته لاسيما بعد إعلان الصين قدرتها على التحكم في الوباء وتقلص أعداد المصابين .
ومعنى نجاح هذه القوى في تصدير الهلع إلى الناس جميعاً على نحو ينطوي على مبالغة وانهيار البورصات العالمية وهبوط أسعار النفط إلى نسب قياسية ، أن حالة الجدل حول نظرية المؤامرة ستتوقف عند حد التسليم بها. وبهذا يكون كورونا فيروس حقيقي غزته مؤامرة أميركية صينية كبرى خرجت منه الصين وبقيت أميركا في المستنقع والأمر ينطوي على إنذار من الله – سبحانه وتعالى – وفي كل الأحوال علينا اعتباره انذاراً لنفر إلى الله .
وأتوقع أن تهب رياح طيبة مايو المقبل مع تباشير شهر رمضان الكريم لتشكل بداية الانفراج – إن شاء الله – وستكون الأسابيع المقبلة حبلى بالتطورات الإيجابية على الصعيد الدولي للوباء.
وبعد استعراضنا للسؤالين نصل إلى أحد مضامين تلك المحنة التي أرى فيها من الله منحة للمسلمين ، علينا الوقوف أمامها وهي في طيات أرقام المصابين جراء هذا الوباء حول العالم ، فهناك عشرة دول تتصدر المشهد العالمي، ثلاثة منها من قارة آسيا وسبعة من أوربا وأمريكا ، فالصين تتصدر دول العالم تليها إيطاليا في دمار شامل ثم أميركا في الترتيب الثالث فإسبانيا وألمانيا ثم إيران و فرنسا ثم كوريا وبريطانيا ثم هولندا والنمسا وبلجيكا ، أما الدول العربية والإسلامية فالحالات المصابة المعلنة تبدأ بتركيا وماليزيا أقل من ألفي حالة لكل دولة فباكستان والسعودية وإندونيسيا وقطر أقل من ألف حالة لكل دولة ثم مصر فالبحرين ولبنان والعراق والجزائر والإمارات أقل من 500 حالة لكل دولة .
ويأتي إجمالي عدد الحالات المصابة في الدول الإسلامية والعربية العشرة الأولى – قرابة ثمانية آلاف حالة حتى 25 مارس – وهي وإن كانت مرشحة للتنامي والتضاعف بشكل مؤكد مطلع أبريل لأننا لا زلنا نعيش مارس بداية الأزمة – إلا أنها أقل من الأعداد المصابة في دولة واحدة تقع في الترتيب العالمي العاشر للوباء بريطانيا وهي أقل من 9 آلاف حالة .
فالدول الإسلامية المنتشر فيها الوباء الآن وغداً وأي وقت قادم حتى نهاية الأزمة لن تصل – إن شاء الله – إلى ربع أعداد المصابين في الدول غير الإسلامية ، وهو ما يشير إلى منحة من الله إلى أرض يذكر فيها اسمه تمتلئ بألآف العابدين المخلصين وأصحاب القلوب الرحيمة التي تمتد بأعمال البر والإنسانية ، فحقاً صنائع المعروف تقي مصارع السوء .
وفي الختام تبقى كلمة….
أوصي نفسي والقراء الأعزاء بحتمية العودة إلى الله – سبحانه وتعالى – لنتمكن من تحويل هذه المحنة إلى منحة تعيدنا إلى حفظ الله في أنفسنا وأهلنا وكل من حولنا ، كما لابد لنا من تثقيف عائلاتنا بفقه التكيف مع الواقع واستثمار أوقات البقاء في المنزل في وضع خطة تنطوي على بلوغ العديد من الأهداف الإيجابية.
كما لابد في هذا المقام من الإشادة بدولة الكويت التي كانت في طليعة دول العالم من حيث دقة وصحة الإجراءات الحكومية في التعامل مع الأزمة ، وأنصح الجميع بعدم الإنجرار للشائعات المغرضة واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية ، وضرورة التلاحم كلٌ أسفل الكيان الذي ينضوي تحته ، واتباع تعليمات الجهات المختصة في هذا الصدد والبقاء في المنازل حرصاً على أنفسنا وغيرنا وصوناً للبيئة التي نعيش فيها فذاك واجب شرعي وقيمة أخلاقية وصيانة للنفس التي هي من الكليات الخمس التي أمرنا بها الله بحفظها ، وأسأل الله العفو والعافية للجميع، وتفاءلوا بالخير تجدوه ، فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال ، وإن مع العسر يسراً .