يقرر علماء النفس أن دافع الاستطلاع يولد مع الإنسان، فلا يحتاج الفرد إلى تعلمه واكتسابه، مثله مثل دوافع الجوع والعطش والنوم والجنس.
وفائدته البيولوجية ظاهرة، فتعرف البيئة وفحصها ومعالجتها تمكن الكائن الحي من تحسس تلك الأشياء التي يحتمل أن تكون مصدرا للخطر أو الألم، وتلك التي يحتمل أن ترضي حاجاته قبل أن تنشط، أي أنه يقوم بدور هام في المحافظة على البقاء.
كما أن لهذا الباعث النفسي فائدة أخرى، وهي محاكاة ما يراه في الطبيعة، وبسبب ذلك اخترع الكاميرا والطائرة وغيرها مما رأى مثله في الطبيعة.
والفائدة التي ينبغي أن لا يهملها الإنسان هي ما يستفيده في سلوكه من النظر في الطبيعة، ومن ذلك ما نبهنا عليه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: {إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟
وذكر في روايات أخرى بعض أوجه الشبه بينها وبين المسلم –الذي يمثل الإنسان الأقرب للكمال في عنايته بروحه كعنايته بالماديات- {أخبروني بشجرة تشبه الرجل المسلم، لا يتحات ورقها ولا ولا ولا.. تؤتي أكلها كل حين..}
قال الحافظ ابن حجر: وقيل في تفسير قوله (ولا ولا ولا): ولا ينقطع ثمرها، ولا يعدم فيؤها، ولا يبطل نفعها، ولم يذكرها على طريق الاكتفاء والاعتماد على فهم الناس.
يقول ابن عمر: فوقع الناس في شجر البوادي، قال: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: {هي النخلة}
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن من الشجر لمَا بركته كبركة المسلم}
قال الحافظ ابن حجر: وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، فثمرتها فاكهة وقوت ،والنوى في علف الدواب، وله استخدامات أخرى، والليف في الحبال… وغير ذلك مما لا يخفى.
وكذلك ينبغي أن تكون بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: {مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك}. وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة. فالبركة -وهي الخير الكثير- في المسلم تبدأ من اهتمامه بنفسه وتطوير مهاراته واستمراره في التعلم،ثم في إفادة من حوله وخدمة مجتمعه فيما يتقنه من تخصص،وكذلك في سلامة الناس من شره. فهو بذلك يكون قد تشبه بالنخلة في عطائها الكبير.