يبيعون الوهم بالمال

on 26 March 2021, 08:32 PM
د. بشرى الحمداني
د. بشرى الحمداني

تسربت جرثومة القفاص( مصطلح عراقي يشير إلى استغلال الآخرين  وابتزازهم ) تسربت إلى جسد المجتمع وخصوصاً بين صفوف فتيته وصباياه لتنهش عقول الأجيال فتحطم نفوسهم وتكسر مجاذيفهم حتى يظل كل واحد منهم يراوح في مكانه ، بلا أمل .
حسن شاكر شاب ثلاثيني  أنهى دراسته الجامعية منذ سبع سنوات ولا يزال  يقف ضمن طوابير طويلة في البحث عن  فرصة عمل يبدأ بها حياته ، حصل   على شهادة في علوم الحاسبات من إحدى الجامعات الرسمية  إلى جانب دراسته  الطبية الأهلية  التي أرهقت كاهل ذويه عله  يحصل  على فرصة التعيين المركزي أسوة بأقرانه بالسنوات السابقة ولكن تعليق التعيينات المركزية في البلد حال دون ذلك  … تعرض لأزمات وصدمات  نفسية وصحية  فكر  كثيراً بالانتحار قبل أن يستوقفه  إعلان على صفحة الفيس بوك ذيل  بفرصة عمل … راح الأمل يداعب مخيلته  مرة أخرى راسلهم على الفور مرفقاً سيرته الذاتية كما هو مطلوب في الإعلان   وجاءه الرد بالموافقة وعليه الحضور للمقابلة .
طار فرحاً ضحكت سرائره وابتسم ابتسامة عريضة  حتى جاءه اتصال من  الشركة ذاتها  تلزمه بدفع مبلغ ( 200  دولار امريكي )  عقدت الدهشة لسانه غير مصدق ما يسمع  ولم يعرف بماذا يجيب..  ألستم أنتم من تدفعوا لي الراتب  ؟ (فكانت الصاعقة )  كلا أنت من تحضر المال لنقوم  بتشغيله في السوق !! أنهى المكالمة وهو يردد ( صدك قفاصة )  .
كانت سعادتها  لا توصف وهي تستمع لصديقتها التي وجدت  وظيفة لابنها الجامعي العاطل عن العمل منذ سنوات  . الفرحة أ لجمت فاها غير مصدقة .وهل العمل مضمون ؟ يأتيها الرد جازماً . طبعاً مضمون وعليه إحضار المستمسكات المطلوبة بأسرع وقت  ، رفعت الأم رأسها متضرعة إلى الله شاكرة فضله وداعية لصديقتها ب… قبل أن يصدمها شرط  الحصول على العمل  .. ماهو ؟  عليها جلب مبلغ ( 7000) دولار أمريكي !!!!!!!!!!!   المفاجئة أ خرست لسانها   .. ولم تعرف بماذا ترد .. لو كنت أملك نصفه  لما بحثت عن عمل لولدي الوحيد ..حسبي الله ونعم الوكيل  يا قفاصة .

منذ تخرجها (عام 2010) وهي تحلم بالعمل الحر حبها لمجال العمل جعلها تبحث كثيراً عن طُرُق الربح من الإنترنت، والتي اتضح فيما بعد أنها طرق وهمية لا فائدة منها … فكانت ضحية شركة تسويق  تلزمها  بشراء ما قدره شهرياً  بمبلغ ( 100 دولار امريكي ) لتتفاجأ بعدها  بالأرباح  (6) دولار لا غير بعد أن وعدوها بالحصول على أرباح خيالية . وهذه أسخف طريقة للربح عبر الإنترنت وتضييع للوقت بشكل مُبالغ فيه مقابل بضع سنتات، هذا إن لم يكن الموقع احتيالي من الأساس .

ولم يقتصر عمل القفاصة على فرص العمل بل تعداه إلى القيام باختطاف الأشخاص لأسباب مادية أو طائفية ومن ثم التفاوض مع أهاليهم فيطلبوا مبالغ كبيرة مقابل إطلاق سراحهم  تنتهي  عملية الابتزاز غالباً بالحصول على المال من أهالي المخطوف ثم قتله ورميه في أقرب كومة نفايات ليستل عليه اهله .
ان مبررات نمو ظاهرة القفاصة عديدة ومتشعبة الفروع ولعل سوء الوضع المعيشي والأمني وعدم الاستقرار النفسي واتساع رقعة بطالة الآخرين تقف في مقدمة التبريرات لكن هذا لا يمنع مشاركة كل الاطراف الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بكل صنوفها وأطيافها للحد من هذه الظاهرة الشيطانية وفيضانها المدمر .