كيف يحقق الإعلام الأمن ؟

on 16 September 2020, 01:21 PM
د.محمد عبد العزيز
د.محمد عبد العزيز

إن بلوغ الأمن هو هدف رئيسي للبشر من لدن آدم بينما تُعد التنمية المستدامة من الأهداف المعاصرة  ، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنعام ” الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” وهذه الآية الثانية والثمانين من سورة الأنعام ، و كان الله سبحانه وتعالى يتحدث عن الذين أخلصوا العبادة  له وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئاً وخصهم بأن لهم الأمن وهم المهتدون الذين يتمتعون بالأمن في الدنيا والآخرة ، إذن العدل مقياس لبلوغ الأمن . إن الأمن و في ظل كونه من الحاجات الأساسية التي تهم الإنسان حتى أنه يأتي في المرتبة الثانية في هرم ماسلو بعد التنفس و الطعام و الماء و النوم ..إلخ ، فالإنسان من دون أمن لا يستطيع أن ينتج و يبدع ويحيا حياة طبيعية ، ويبقى هاجس الأمن هو الأهم في حياة الإنسان.

وحول الإعلام و دوره في الأمن وتحقيق التنمية المستدامة جاءت مشاركتي في مؤتمر جامعة الأنبار منتصف أغسطس 2020 بحضور وزير التعليم العالي و البحث العلمي في جمهورية العراق أ.د نبيل كاظم ورئيس جامعة الأنبار أ.د مشتاق الندى ، بعنوان : العلوم الإنسانية التحديات و استراتيجيات النهوض منتصف أغسطس 2020   ،  ونتناول في هذا المقال  الحديث عن البعد الأمني .

تقديري أن  الكلمة نور و نار و بما أن الإعلام يرتكز على الكلمة نستطيع القول أن الإعلام أيضاً نور و نار ، نور يهدي إلى الحق والحق اسم من أسماء الله تعالى ، و نار تحرق الأخضر و اليابس ، قد يكون هذا و قد يكون ذاك ، الإعلام نور يحقق الأمن و الرخاء و التنمية المستدامة و يسهم في نهوض المجتمعات حال تسخير الإمكانات اللازمة و تصدر الأمناء المتخصصين واجهته ، لا المتمصلحين و أصحاب المنافع الشخصية وغير المتخصصين، الإعلام نور إذا عمّر و نار إذا دمّر وما نرى في عالمنا مؤخراً من انتشار وباء كوفيد 19 إلا دماراً أسهم في استعار نيرانه الإعلام ، لقد كان الإعلام حجر الزاوية في هذا الوباء ، هناك دول تمكنت من تقويض انتشار الوباء بعد أن استخدمت ملف الإعلام بشكل بنّاء فكانت لها الغلبة في تخفيف آثار المرض ، بينما الدول التي لم تراعي حقوق الإنسان بشكل كامل و لم تستثمر الإعلام بشكل إيجابي لم تتمكن من تحقيق أي نجاحات على صعيد كوفيد 19.

إن المنطقة العربية في حاجة شديدة إلى إعلام حقيقي يسهم في بسط مساحات كبيرة من الأمن  ، لكنه في السنوات الأخيرة أصبح يواجه العديد من التحديات التي تهدد وتكاد أن تعصف بالهوية العربية و تطيح بكثير من معايير المواطنة من خلال تزكية الإعلام لنيران العنصرية البغيضة و لظاها في غير دولة فضلاً عن النعرة الفوقية و الطائفية و العرقية و المذهبية التي يغذّيها الإعلام السيء للأسف ، وهناك عدد من المعايير لكي يحقق الإعلام الأمن و التنمية المستدامة و يكون له دور رياديّ في ذلك ، أولها أن يحكمه الضمير المهني و أن يترفع عما يزيد الفرقة – ثانياً  أن يبحث عما يجمّع العرب وما يجمّع الإنسانية جمعاء و يبحث عن نقاط التلاقي – ثالثاُ ينظر بعين التفاؤل للأمور كلها من غير غض الطرف عن تلك المثالب  واللجوء لعلاجها  دون ضجيج أو تضخيم  ، لكن ما يحدث في الحقيقة في الإعلام العربي  أننا نسمع جعجعة و لا نلمس طحيناً في إلا من رحم ربي .

وتُعد عملية إسهام الإعلام العربي في بلوغ الأمن بالغة التعقيد في ظل المشكلات العميقة التي  يعاني منها ومنها التقليد والتبعية ومنها التضليل و تعمد التشويه و تزييف العقول ، عملية التزييف الممنهجة التي تحدث في كثير من إعلامنا العربي ،  بينما على  الوجه الآخر نجد أن صورة العرب في وسائل الإعلام الغربية مشوهة للأسف وتقترن بالإرهاب و بالتخلف و العنف وهذا يعزى إلى  ما يصدره الإعلام العربي للغرب .

إن القضايا الأمنية تعتبر من أهم التحديات التي تواجهها الدول العربية في القرن الحادي والعشرين  لكثير من الاعتبارات أهمها ظاهرة العولمة و الإعلام الرقمي والتطورات التقنية و التحولات العلمية و التكنولوجية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي يشهدها العالم ناهيك عن ما أفرزته ثورات الربيع العربي في السنوات الأخيرة من تداعيات وانعكاسات على مختلف الأصعدة لاسيما الإعلامية منها على وجه الخصوص ، وقد كان للإعلام دور كبير جداً في الإطاحة بأنظمة في العالم العربي .

وفي ظل هذه التحولات سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي لابد من توافر جهوداً إعلامية كبيرة وآليات منهجية جديدة منتظمة لمواجهة هذه التحديات خاصةً في مجال القضايا الأمنية ، وهنا أعرّج على ضرورة التركيز على عملية التوعية و إذا تحدثنا عن التوعية لابد أن نذكر التعليم و الإعلام فهما رديفان لقضية التوعية ، فما أحوج عالمنا العربي إلى تعليم صحيح و إعلام جيد يحترم عقل الإنسان و ينمّيه ، ومن الضروري أيضاً في ظل سعينا للتوعية الارتكاز على الآليات العلمية لهذ التوعية ، الآليات المتطورة لتحقيقها ولجعل الإنسان في المجتمع مسؤول  و واعٍ بواجباته أمام كل القضايا الأمنية المختلفة ،  فاليد الواحدة لا تصفق و الحكومات بمفردها لن تستطيع أن تبسط الأمن و أن تجعل للإعلام دور حقيقي في التنمية المستدامة بغير تعاون كل أفراد المجتمع و كل مؤسسات المجتمع المدني .

إن التوعية الإعلامية تعتبر من أهم أولويات الأجهزة المعنية في كل الدول و أيضاً بالنسبة للقطاعات و المؤسسات المختلفة لأن قضية الأمن محور اهتمام الجميع  وليس الحكومات فقط ، فمن دون الأمن لا استقرار ولا تنمية ولا ازدهار ، ويجب أن تكون الدولة على صعيد مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية بإعلامها الرسمي والخاص يجب أن ترفع غطاء الجهل بالقضايا الأمنية و القوانين و التشريعات المتعلقة بها عن أفراد المجتمع .

على وسائل الإعلام المختلفة أن تتحلى في عملها بقيم ومبادئ السلوك التي توصل إليها العقل البشري في البلدان الغربية التي تقدمت واستطاعت أن تقوض كوارثها باستثمار جيد لإعلام يحترم عقل الإنسان ، لابد من المصداقية و الموضوعية وأن يجعل هذا الإعلام من مصالح الشعوب و الأوطان هدفاً سامياً من خلال رفع شأن القيم الإيجابية بين أفراد المجتمع و عدم دغدغة المشاعر و البعد عن إزكاء نزاعات عنصرية بغيضة مثل تلك التي تعم الان أرجاء عديدة من وطننا العربي فباتت تحتاج إلى من يقلعها من جذورها ، على الإعلام إذا أراد أن يحقق الأمن و التنمية المستدامة أن يتوقف عن تغذية الطائفية و المذهبية و غيرها من عوامل فرقة الشعوب .