كوفيد بين الوهم والحقيقة

on 19 November 2020, 05:56 AM
أ.ساره كميخ
أ.ساره كميخ

أحدث انتشار فيروس كورونا، حالة من الرعب والهلع في العالم ربما لأننا لم نعش زمن الأوبئة، لم نعرف ماذا فعل الطاعون مثلا؟ 

سيحفظ التاريخ أن فيروس كورونا غيَر العالم أكثر من الحروب والمجاعات،فحين أُعلن عن الفيروس في الصين كان المتوقع أنه حالة عابرة ستطوق، ثم قيل أنه مؤامرة، أو أنه فيروس “مُصنّع” وجزء من صراع الدول العظمى.

خرج الفيروس من أسوار الصين؛ فسقطت أعتى دول القارة الأوروبية في براثنه، واستفاق العالم على خطر لا يمكن تجاهله، أو إغلاق الأبواب أمامه؛ ليسارع الجميع بحثاً عن حلول وملاذات آمنة منه.

غير فيروس كورونا العالم، فالمدن التي كانت تضج بالحياة أصبحت مدن أشباح، والناس اختارت طوعاً الالتزام ببيوتها خوفاً من العدوى.

 

وهناك مشاهد خلفها ذلك الوباء لا يمكن المرور عليها دون ذكرها واستلهام العبر منها، فمثلاً في أوج الأزمة كنت أفتح التلفاز فأجد بيت الله الحرام ، قبلة الإسلام فارغ تماماً سكون وهدوء ، فشعرت بالأسى متسائلة: ما الذنب الكبير الذي اقترفه البشر ليخلو بيت الله الحرام من البشر؟ 

إنه لمشهد يهز القلوب والمشاعر ، ذهبت مع والدتي للمستشفى الكل مرتدياً كمامات وقفازات. الخوف والهلع سكن القلوب بينما غابت مخافتهم من يوم صعيب نقف فيه أمام الخالق .

شعور صعب عندما ترى الكل منهمك بالهاتف الذكي ليسمع ويرى ماذا يحدث بالعالم ؟ ولكن نسى أن الحقيقة غائبة والتواصل الاجتماعي يخلط الحابل بالنابل.

يتحدث العالم حتى الآن عن الإجراءات الصحية للحد من انتشار الفيروس، والتدابير الوقائية الفعالة للحد من هذه الجائحة، ولكن مع كل هذا الكم من شزرات الشحنات السلبية والإيجابية مستمرة الحياة لم تتوقف. 

أليس فينا من أدرك الحقيقة !

أثبت كوفيد ١٩ أن الدول المتقدمة علميا باتت تواجه تحديات غير مسبوقة في التعامل مع الجائحة ، بينما تقف الدول الفقيرة لا حول لها ولا قوة ، دول كبري جنحت للتكتم وغياب الشفافية لتتستر على ضعف مقدرتها الصحية والطبية ولكن الموت والإصابات كشفت تلك السياسات .

ولا زلت في المشفى مع والدتي أتأمل وجوه وتصرفات الناس في ظل كورونا، في غرفة الانتظار مع والدتي جلست امرأة مسنة نزعت الكمام فقلت لها : لا يا خالتي لا تنزعينه أنت بمستشفى خوفاً من الإصابة بفيروس كورونا،

فابتسمت ابتسامة جميلة إيمانية مؤمنة بقضاء الله وقدرة وقالت : عشت سنين عمري وأنا أعلم أن يوم مماتي بعلم الرحمن الذي خلقني وإذا مرضت فهو يشفيني ، لكن الموت يوم معلوم عند خالقنا فلماذا نسبق القدر ؟ يا ابنتي من توكل على الله فهو حسبه .

فقلت لها : سئل الرسول صلى الله عليه وسلم- أعقلها أم أتوكل فقال اعقاها وتوكل . بمعني ندرك حقيقة الموت ولكن كورونا وباء ولابد من الأخذ بالاحتزازات، فقالت : من توكل على الله فهو حسبه .

أدركت كم هي الحياة في زمن كورونا صعبة ولا تطاق ؟ جعلتنا نتخلى طوعاً عن حرياتنا ، ونبدل طقوس حياتنا، ونعتزل تحسباً من خطر داهم قد يفاجئنا .

المعركة لم تنتهِ ،طرف مجهول الهوية سريع الضرب بأسلحة فتاكة وطرف الأكثر عدداً والأقل تدبيراً، 

لكن القاعدة الذهبية تقول :

إنَّ الكورونا مرضٌ حقيقيٌّ واقع لا يصحُّ وصفُه بالوهمِ، وإهمال ذلك من عوارض الجهل بالواقع، والحقيقة أنَّ الأمرَ أشدُّ خطرًا من كونه مرضًا فسيولوجياً أو مناسبةً لتحقيق المصالح، إنَّه سلاحٌ رهيب للعبثِ بالسلوك البشريِّ كله، عوارضه وعلاماته الباطنة أشدُّ فتكًا.

قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: آية 34