طاعون "كورونا" والحجر الصحي

on 01 March 2020, 09:40 PM
د.صلاح الدين عامر
بقلم: د. صلاح الدين عامر

بعد القلق الذي بات يساير غير دولة في العالم من انتشار مرض ” كورونا ” حري بنا  أن نعلم أن نظام الحجر الصحي المعمول به في البلدان التي تحترز من ذلك المرض وغيره هو أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يكون من الجهات الطبية، فلا تتبرم إذا واجهت ذلك الطلب ، بل ساعد الجهات المختصة على تطبيقه.

ولابد أن تعلم أن الصابر فيه له أجر الشهيد إن مات، وله أجر الصابر في الزحف إن سَلِم، وأنّ الفار من الطاعون ـ مخالفاً للحجر الصحي مساعداً على نشر الطاعون ـ عليه إثم الفرار من الزحف وهي كبيرة من كبائر الذنوب، إضافة لما يجره على مجتمعه وبلده من كارثة انتشار الطاعون.

تقرأ في هذا المقال:

– كيف أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لنظام الحجر الصحي؟

– كيف استجاب المسلمون للحجر الصحي سنة 18هجرية 640 ميلادية، لهذا النظام؟

– كيف اجتاح الطاعون أوروبا قبل أن يعرفوا الحجر الصحي منتصف القرن الرابع عشر؟

– قوانين الحجر الصحي المعاصرة.

أولاً: كيف أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم لنظام الحجر الصحي؟

أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، لنظام الحجر الصحي في القرن السابع الميلادي، على لسان محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم: ففي الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه .

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون ، قلت : يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه ، فما الطاعون ؟ قال : غدة كغدة البعير ، المقيم بها كالشهيد ، والفار منها كالفار من الزحف ) قال الأرنؤوط إسناده جيد.

وفي مسند أحمد أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الْفَارُّ مِنْ الطَّاعُونِ ، كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ ، وَالصَّابِرُ فِيهِ ، كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ “. صححه الألباني.

ثانياً: كيف استجاب المسلمون لنظام الحجر الصحي؟

ولقد استجاب المسلمون لهذا الأمر النبوي عندما وقع بالشام الطاعون، وهو وباء وقع في أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 18 هـ “640 م”، وهو أول طاعون وقع في الإسلام.

روى البخاري في صحيحه قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين خرج إلى الشام ، فلما وصل إلى منطقة قريبة منها يقال لها : ( سرغ ) ، بالقرب من اليرموك ، لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام فاحتار هل يدخلها أم يرجع ؟

 فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته، فقال : إن عندي في هذا علم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ) قال : فحمد الله عمر ثم انصرف راجعاً بمن معه من الصحابة.

ثالثاً: كيف اجتاح الطاعون أوروبا قبل أن يعرفوا الحجر الصحي منتصف القرن الرابع عشر؟

أصاب القارة الأوروبية أواسط القرن الرابع عشر وبالتحديد 1347م وما بعده، طاعون تقول المصادر إنه قضى على ثلث سكان القارة تقريبًا، وبعضهم قدر الوفيات ب 20 مليوناً، سمي (الطاعون الأسود)، أو ( الموت الأسود Black Death).)

تقول بعض المصادر: يقول بعض المسافرين: لقد مررت على قرى في أوروبا خاوية على عروشها .

وما سبب زيادة عدد الوفيات هو عدم توصل الطب لنظام الحجر الصحي آن ذاك، وما توصل إليه الطب إلا نهاية القرن الثامن عشر الميلادي تقريبًا .

رابعاً: قوانين الحجر الصحي:

وفيما تقرره منظمة الصحة الدولية من لوائح الصحة الدولية لعام 2005م ما أصدرته في نفس العام من لائحة وهي صك قانوني دولي أعد من أجل المساعدة على حماية جميع الدول من انتشار المرض على الصعيد الدولي. 

وقد بدأ نفاذ اللوائح (2005) في 15 حزيران يونيو 2007م وهي الآن صك ملزم قانونياً بالنسبة إلى 194 دولة طرفاً في جميع أنحاء العالم بما فيها الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية.

نقرأ في هذه اللوائح في المادة 31 التدابير الصحية المتعلقة بدخول المسافرين كما يلي:

  • تدابير صحية إضافية معمول بها تقي من انتشار المرض أو تكافحه، بما في ذلك العزل أو الحجر الصحي، أو وضع المسافر تحت ملاحظة سلطات الصحة العمومية.

 

د. صلاح الدين عامر باحث في العلوم الفقهية