سِلفـي!

on 06 February 2020, 06:00 AM
بقلم: د. سونا عمر عبادي

فجأة يمسك الهاتف وبحركة ما يبدأ بتنسيق لقطة ” سيلفي”، ثم يبدأ بتزويقها لتكون أكثر جمالاً، أو من خلال رحلة بإصبعه خارج الواقع يطوف الأدغال يستعير منها أذني سنجاب أو عيون الغزال، أو أنف أرنب، أو يدخل صورته بغضب إلى ساحة معركة فيرتدي خوذة أو يقطب حاجبيه أو يزين رأسه بوشم التحدي ويرسلها عبر رسائل الصباح لأصدقائه.

حسناً.. لهذا الحدّ يبدأ السؤال الحقيقي عن صورة الذات التي يرغب الفرد في إظهارها للآخرين، وفي المقابل مقدار الوعي الذي يدرك به ذاته، وهل يمتلك أدوات الوعي الكافية لتقييم ذاته؟ في كثير من الأحيان يكون تصور الذات مرهوناً بالرغبة الجامحة فيما يأمل الفرد أن يصل إليه أو المخاوف الكبيرة التي يحرص أن يكون بمنأى عنها من النقد المجتمعي الذي قد يدخله في  دائرة تحطم الذات أو عزلة الذات، ولكن النمط المشوش في الحكم بالظاهر الذي يقترن بالأسباب المستهلكة، والإحباط الداخلي الذي يرفض الفرد مواجهته في لحظة ما وعدم قدرته تحطيم السياج الذي يتجاوز به القيود التي تكبل ذاته، كل ذلك كفيل أن يتتبع وَهْـمَ التميز أو الجمال أو الشهرة أو الموضة أو المال أو غير ذلك في صور غير حقيقية مما يظن أنها تحسينات لذاته التي يرغب أن يواجه بها الآخرين. ولسنا في تحقيق للبحث الفلسفي في ماهية الذات أو وجودها، بقدر ما نلفت الانتباه إلى الأزمة العميقة التي يمر بها الكثيرون عند وقوفهم على مفترق الطريق بين الإنجراف في التيار وأسلوب القطيع، وبين المقاومة للخروج من هذه الحالة من الفوضى والضوضاء التي تعصف بالذات، فالوعي مطلوب ولكن لمن يمتلك أدوات الوعي في ضبط الذات وترسيخ قاعدة القيم والإنسانية وصولاً إلى الحكمة، كما أن السير أيضاً مطلوب- وإن تعثر أحياناً- {لمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} (المدثر:37) فليس في الطريق واقف، ولكن الموازنة بين الآمال والمتوقعات، ومواجهة الذات بمصداقية يعدّ تحفيزاً للإبداع والتميز الذي خلقه المولى في ذات الإنسان وأودعه أسراره.. عزيزتي الكاميرا: ربما أريـد صـورة “سيـلفي” حقيقية..!!

د. سونا عمر عبّادي الأستاذ المساعد في القضاء الشرعي والتحكيم جامعة العلوم الإسلامية العالمية- الأردن