المشكلة والأزمة في نظم الحكومات

on 16 October 2021, 03:40 PM
أ.د. صالح شافعي
أ.د. صالح شافعي

تُعد المشكلة والأزمة من أهم أصول وقواعد الإدارة على مختلف أنواعها ومستوياتها ووظائفها وأعمالها ، ولهذا تعتقد الإدارة لولا هذان المصطلحان لما كان لها سبب وجود ، لأنهما حددا عناصر الإداره الثلاثة وهي الإنسان والأهداف والإمكانيات المتاحة.

ومن هذه العناصر تأكد للإدارة قاعدتين ثابتتين لا يمكن فهم الإدارة بدونهما وهما:-

ا – أينما كان الإنسان كانت الإدارة.
٢- أينما وجد الخلل فهو خلل الإدارة.

ومن هاتين القاعدتين يتبين أن للإدارة أنواع كثيرة ومن أهمها الإدارة الخاصة وهي إدارة الفرد لشؤونه الشخصيه الخاصه به ، والإدارة العامة وهي إدارة شؤون الأفراد التابعين له.

ولمعرفة أهمية المشكلة والأزمة في إدارة نظم الحكم ، يجب معرفة ماهية كل منهما.

أولاً – المشكلة في الإدارة، وقبل أن نتعرّف على ماهية المشكلة لابد لنا أن نُعرّف الإدارة وهي ( تخطيط وتنظيم وتنسيق جهود الفرد والأفراد للحصول على أقصى وأعلى النتائج الممكنة لتحقيق الأهداف المطلوبه للفرد والجماعة بما يحقق رضى الجميع ).

ومن هذا التعريف تُعرّف المشكلة بأنها ( كل انحراف أو إعاقة أو إساءه أو خلل أو إفساد لأي عمل من أعمال الإدارة أعلاه ).

ومن هذا المفهوم للمشكله أياّ كان نوعها أو مستواها أو حجمها أو تأثيرها أو مصدرها انطلق مبدءاً ثابتاً بإدارة نظام الحكم وهو ( أن المشكلة وُجدت لِتُحَل ).  

وهذا المبدأ يؤكد بالوجوب حل المشكلة فوراً حال ظهورها ولا يجوز تأخير حلها مطلقاً، لأن تأخير حلها يكون صعباً عند حدوث مشكله أخرى، وهكذا يكون حل المشكله الثانيه أصعب وتكون الصعوبه أكبر في حل المشكلة الثالثة والرابعة والخامسة، والمبدأ الإداري يؤكد أن المشكله أو  مشكلات غير محلوله هي تمهيد لحدوث أزمة إداريه ، وهكذا فعلاً بعد أن تصل المشكلات غير المحلوله إلى مستوى وحال لا يمكن حلها ، عندها تظهر حالة الأزمة.

ثانياً – الأزمة في الإدارة ، وهذه تقسّم إلى جزأين ، الجزء الأول الأزمة التي ليس سببها الإنسان كما هو الحال في الكوارث والحوادث والأحداث كالزلازل والفيضانات والسيول والعواصف والأعاصير والطواعين والأوبئة على أنواعها ، وهذه تحتاج إلى تشكيل لجان لمواجهتها بتقديم المساعدات والمعونات وإعادة ما تدمر بسببها وكل ما تتطلبه الأزمة من أعمال .

أما الجزء الثاني فهي الأزمة التي يسببها الإنسان الذي بيده إدارة نظام الحكم ، وهذه الأزمة هي المقصوده هنا في إدارة الحكم والناتجة عن المشاكل الإدارية والتي توضحت لنا من مفهوم المشكلة في الإدارة، وتعني الأزمة هنا( مجموع  المشاكل الكثيرة والمكدّسه التي لم يتم حلها في أوقات ظهورها، الأمر الذي أدى إلى صعوبة حلها جميعاً وحتى حل بعضها يؤدي إلى انهيار النظام بأكمله ). ومثلها كمثل مريض يعاني من عدة أمراض لم تعالج وأدت إلى  أزمة صحية يصعب علاج إحدى حالاتها المرضية لأنها تتأثر بالأمراض الأخرى فيبقى المريض بأنتظار الأجل.


وقد تأكد أن كل العلوم إما تنطوي مع الإدارة، كعلم النفس والعلوم التربوية والإرشادية والطب النفسي وغيرها أو تمارس وظائف وأعمال الإدارة، وهي التخطيط والتنظيم  والإشراف والتقييم والتنسيق والاتصال والعلاقات والتوجيه والمتابعة والمراقبة والقرار.


ومن كل هذا تأكد للإدارة أن أي تنظيم بشري وهو يعني مشاركة شخصين أو أكثر  في أداء وظائف الإدارة وأعمالها أعلاه ، مثل رجل وزوجته يكوّنان عائلة يشتركان سوياً في أداء وظائف وأعمال الإدارة للأسره وتسمى في علم الإداره أصغر تنظيم بشري، والعائلة ممكن أن تكون ثلاثة وأكثر في حالة وجود الأبناء والوالدان والإخوان الخ. 


فالمدرسه تنظيم وكذلك الكليه والجامعه والنوادي الاجتماعيه والرياضية وأي دائرة ومؤسسة وهيئة وغيرها، والمحافظة والدولة والأقاليم على مستوى دول وتنظيم دول القارات وكذلك أي تنظيم دولي كمنظمة الأمم المتحدة وغيرها.

فكل هذه التنظيمات إذا ما وصل نظام الحكم فيها إلى حالة أزمة حكم يجب تغيير هذا النظام وأشخاصه جميعاً .

فالأسرة تتفكك في حالة الأزمة في نظامها  الأسري وكذلك الحال لأي دائرة أو مؤسسه أو هيئة وغيرها يتم عزل مسؤوليها وإدارييها وتنصيب غيرهم.

ومن كل هذا تأكد للإدارة أن أي تنظيم بشري صغيراً كان أم كبيراً، مؤسسةً أو دولة، يمر نظام حكمه بأزمة لابد من تغيير نظامه وأفراده جميعاً، لأنه من غير المعقول إعادة نظام حكم في حالة أزمة أو السماح له بالاستمرار وهو كالمريض على فراش الموت.


وتذكر الإدارة منذ الخليقة بأنه لا يوجد نظام مر بأزمة حكم بسبب فساد أفراده إلا وانتهى من الوجود ، وخير دليل على ذلك أن كل الحضارات التي سادت ثم بادت وانتهت تماماً كان بسبب أزمة نظم الحكم فيها وهو فساد حكامها وأتباعهم.


ولهذا في علم الإدارة الحديث يُعد من العيب أن تُشكل غرف أو لجان لمعالجة أزمة  نظام حكم  لأنه لا يمكن اصلاحه وإعادة ما أحدثه الفاسدون، كما تؤكد ذلك معاجم اللغة العربية أن الإنسان لا يمكنه التعايش مع أزمة نظام الحكم أو العيش معها . كما يؤكد معجم المعاني الجامع-عربي عربي وغيره أيضاً ، أن الأزمة الإدارية لأي حكومة هي مرحله انتقالية لاستقالة الحكومة وتأليف حكومة جديدة.

فعلم الإدارة الذي نهض بعلم الاتصالات والنظم المعلوماتية السريعه والتي ترتقي بكل متطلبات حياة الإنسان المعرفية والعلمية والتواصل الجمعي بإقامة المؤتمرات و الندوات العلمية في كل المجالات عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفه ، هكذا حال لا يناسب نظم حكم في حالة أزمة وتعاني شعوبها الأمرين شغف الحياة وشغف الحريه.


وعلم الإدارة الحديث لأجل التخلص من هذة الازمات ، يرى أن أي نظام حكم لابد وأن توجد فيه مثالب أو قصور وأخطاء بسبب التطور الحاصل والسريع في العلوم والمعارف وتكنولوجيا الاتصالات ، وكما يرى أن أي حكومة في أي دولة لابد وأن يوجد فيها مفسدين أو من لديه استعداداً للفساد لأن الفساد لا يختفي من البشر ولأن البشر ليسوا سواء ، عليه يرى علم الإدارة أن كلما طالت مدة بقاء النظام والحكومة يسمح بظهور الفساد الذي يؤدي إلى أزمة حكم. والعكس صحيح فكلما قصرت مدة النظام والحكومة منع ذلك من وجود الفساد والأزمة في الحكم ، وهذا هو الحل الناجع الذي يُحسّن النظام وأداء الحكومة ويحظى برضى الشعب.

 فنجد ذلك في البلدان التي تمارس الديمقراطيه، نراها باستمرار تراجع نظام حكمها وتغيّر الحكومة في كل دورة ، ونجد شعوبها تمارس المراقبه عليها وتطالب بعزلها في حال ظهور الفساد فيها ولو بأقل من مدة دورتها.

وإذا أرد أحداً أن يطبّق كل ما جاء في أعلاه على نظام الحكم في بلاده، فماذا يقول وماهي الأسئلة والنصائح التي يقدمها !؟ .
اتعظوا يا أولي الألباب إن المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين ! ؟.