الثقب الأسود في أزمة كورونا

on 04 August 2020, 08:00 AM
أ.اسلام البارون
أ.اسلام البارون

مازال فيروس «كوفيد -19»، المعروف باسم كورونا يقول كلمته الشرسة علي كوكب الأرض، بعد مرور نيف وثلاثة أشهر منذ بدء تداول مسمى” الجائحة الصحية” ثم “الحائجة الكبري” وانتهت “بالجائحة الكونية” التي ضربت كل مفاصل العالم بمختلف أركانه الحياتيه والإنسانية والاقتصادية عرضا وطولا، ومنها المنطقة العربية التي لا زالت تحت الهجوم العاصف لهذا الفيروس مع غياب أي لقاح ناجح في الأجل القريب .. ويظل بذلك رفع الوعي هو اللقاح المتاح حالياََ … لتصبح المنظـــــــــــومة الإعلامية العربية المقرؤة والمسمــــــوعة والمرئية علي خط المواجهة الأول. 

لكن كما جاء الفيروس في غفلة من الحكومات في منطقة تموج بمناطق الصراع الساخنة ولغة الاستقطاب وحدة ردود الـــــــفعل وهي معطيات لا تسمح أبداََ بمواجهة تقوم علي التنسيق والتكامل المعرفي والمهني، وصار الهاجس الأساسي لكل الحكومات في المنطقة الترويج المستهدف لأحدي السيئتين إما “نظرية المؤامرة” وإما “التهوين في أعداد المصابين” لضمان استمرار تسويق الصورة القوية ..و بما جعل كل الأدوات الإعلامية العربية تقف بين سندان التجاذبات، ومطرقة فهم طبيعة قضية الفيروس لبناء محتوى يساهم في أن يكون حلقة وصل شفافة بين الجمهور (في حالة الحجر) ،وبين آخر مستجدات الفيروس.  

ومن متابعة الأحداث في عدد من الدول العربية نجد العديد من الإشكالات التي خـــــلقت مايسمي “الثقب الأسود” كما سمته منظمة “مراسلون بلا حدود” التي عنت بها تشكيك العديد من المراسلين والصحفيين في الأرقام الرسمية التي أعلنتها بعض من الدول، منتقدين نقص الشفافية في التعامل مع الأزمة وإغلاق المواقع الإخبارية بتهمة “نشر الأخبار الكاذبة” وسحب تراخيص عمل لبعض الصحفيين والوكالات الأجنبية، مع تزايد الصدامات بين سلطات بعض الدول ووسائل إعلامية، ليطرح سؤال ملح .. هل سيصبح الإعلام العربي أحد ضحايا كوفيد 19؟

 

فوسائل الإعلام المحلية الخاصّة تعمل علي المحافظة على استمراريتها في ظل تدني أو انعدام مدخولات الإعلانات، مما جعل بعض هذه المؤسسات أكانت مرئية أو مسموعة أو مطبوعة أو إلكترونية على حافة السقوط المالي في ظل الأوضاع الاقتصادية والنقدية المنهارة، بما جعلها تترنح، فيما تعد المؤسسات الإعلامية عماد المواجهة،لعدة أسباب، أبرزها، توعية المواطنيين، ومن ثم الترفيه ليبقوا في منازلهم لتحقيق مفهوم التباعد الاجتماعي. 

لكن هذه المعضلة للإعلام الخاص والتقليدي، أوجدت ملاذات غير أمنة لتجاوزات (صحافة المواطن) التي لازال يغيب عنها المهنية و كل يكتب علي هواه ويدلو بدلوه كما يشاء وتقديم لتحليلات واجتهادات شخصية مزعومة تفتقد للمهنية والمصداقية، فالعديد من نشطاء المواقع الرقمية في المنطقة العربية أحياناََ يساهمون في تغذية الشعور بالخوف والهلع في صفوف المواطنين وذلك بنشرهم لتدوينات زائفة ومقاطع فيديو أرشيفية، ترصد وقائع غير صحيحة بخصوص الإصابة بهذا الفيروس وأحيانا “التهوين في تأثير الأزمة”، من أجل دعم رأي ينتصر له علي آخر.. ورغم كل هذه السلبيات فإن شبكات التواصل الاجتماعي، والمواقع الرقمية كانت الأسرع في متابعة أخبار الفيروس. 

ولأن أحد أهم الأدوار في أزمة كورونا التي تلعبها وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والرقمية والورقية، إنها المصدر الأول للمعلومة للأفراد والجمهور، وهي المهنة التي يغامر مراسلوها كل يوم لنقل آخر الأخبار حول العالم، ومع توارد أخبار بوجود موجة جديدة من الفيروس قد تجتاح العالم مرة أخري وجب على الحكومات والمؤسسات الإعلامية العربية أن تشرع في صياغة رؤية استراتجية جديدة لإعلام يقوم علي الشفافية والتعامل الممنهج بعيداََ عن تجاذبات الصدمة ورد الفعل، حين نتذكر أن وسائل الإعلام هي صوت المجتمع، وذلك من خلال عدة محاور تتضمن .. 

– الإسراع الفوري في التقنين الفني والمهني للصحفيين الرقميين والمدونين ضمن إطار موحد، يخضع لنقابة الصحفيين بشكل يلائم هدف

   التخلص من سلبيات صحافة المواطن القائمة علي العشوائية في التناول. 

– بناء دورات تدريبية تمنح المتدرب القواعد والأدوات الرقمية  الأساسية وترسيخ معايير النشر والمهنية علي أن يكون بها شروط قبول و 

    معايير للتخرج تسمح بمخرج سليم كشرط لممارسة ما يسمي “صحافة المواطن”، تحت رقابة مهنية لها شكل قانوني. 

– العمل بين نقابات الإعلاميين والصحفيين والمجلس الأعلي للإعلام، وبالتعاون مع وزارة الإعلام علي إنشاء “صندوق خاص” تحت  

  إشراف رسمي لدعم استمرار عمل القنوات التي تطبق المعايير المهنية والمرخصة خلال فترات الأزمات، وضمان عدم تفكك هيكلها 

  الوظيفي أو خضوغها للتجاذبات وأصحاب المصالح. 

– من ضحايا (الهلع الإعلامي) كان الاقتصاد العالمي، ذاك الذي خسر أكثر من ستة تريليونات دولار ، وعليه يجب بناء مجلس إدارة 

   أزمات يضم خبراء إعلاميين واقتصاديين و متخصصين في مجال الأزمة، بالتعاون مع الجهات الرسمية ذات العلاقة لبناء إطار شامل 

   لرؤية إعلامية واضحة قائمة علي تقديم معطيات حقيقية، تتناسب مع كل مرحلة من مواجهة الأزمة. 

– رفع وعي المواطن مستقبل الرسالة الإعلامية، للتعامل مع اكتشاف الأخبار المغلوطة ، والمفبركة والتي تتخذ طابعاََ سياسياََ أو ايدلوجياََ 

   منحازاََ بعيداََ عن حقائق الأزمة. 

– التكامل الإعلامي العربي في استخدام لغة إعلامية ذات مصداقية، .. بعيداََ عن حالة الانقسام التي ظهرت خلال فيروس كورونا في الإعلام 

   العربي مقسم إياه إلى فئتين، فئة عملت على تغليب دور التوعية بالمخاطر الصحية لهذا الفيروس القاتل، وفئة أخرى كان هاجسها ومنذ 

   البداية، إذكاء حس التهويل والتخويف ، وهو ما ولد الشعور بالهلع في نفسية المتلقي العربي.  

– أن تكون سلامة الصحفيين مسؤولية الدول:وذلك بالتناسق مع رؤية منظمة الأمم المتحدة للتــــربية والعلم والثــــــقافة (اليونسكو)، حيث تقع 

  على عاتق الحكومات وأصحاب القرار مسؤولية ضمان سلامة الصحفيين عند تغطية أي أزمات صحية أو اجتماعية مترتبة على الوباء، 

  وذلك بموجب المعايير الدولية المتعلقة بحرية التعبير.”

إن عالم صناعة الإعلام بكل هيئاته، ونخبه ومفكريه، وكل من له علاقة بالشأن الإعلامي العربي، أمام فرصة كبرى للتفكير في إعادة ترتيب أولويات استراتيحيات الإعلام العربي من جديد، ففي ظل النظام العولمي أصبحت التحديات مشتركة، ولا يمكن التعاطي معها بشكل منفرد، كما لا يمكن العودة إلى الأنظمة الإعلامية القديمة التي باتت جزءاً من الماضي، وليس هناك من حلول ناجزة سوى إعادة بناء مفاهيم جديدة للرسالة الإعلامية، والمسؤوليات المشتركة بين الإعلام وجمهوره والعاملين فيه، وإعادة إيلاء مفهوم الإعلام الاستباقي  أهمية كبرى، ليس قولاً وإنما فعلاً ، لأن الإعلام ككل “لن يكون ما بعد الوباء كما قبله”.